من تلك العلاقات والارتباطات بالمواقف وبالموضوعات ما لا يفهمه تمامًا إلّا الناشئون في المجتمع ذاته والثقافة ذاتها, ولو أن المتخصص الأجنبي تمكّن من تحصيل فهم الارتباطات العقلية أو حتى الاجتماعية بالموضوعات والمواقف, فكيف يتسنَّى له مهما حاول أن يفهم الارتباطات الذوقية والعاطفية في المجتمع. وهل يجد غير المسلم وغير العربي في نفسه ما يجده العربي المسلم من فهمٍ وانفعالٍ وارتباطٍ بالقرآن أو الحديث عند قراءتهما مثلًا, فلا شكَّ أن المعنى دون ملاحظة هذه الارتباطات التي يتضح بها المقام ناقص كل النقص.
وهذه المقامات الاجتماعية هي نسيج الثقافة بمعناها الأنثربولوجي الأعمِّ لا بمعناها التربوي الأخص, أي: إنها هي نسيج العادات والتقاليد والأعمال اليومية والفولكلور الشعبي والذاكرة الشعبية, ثم الإحساسات والعواطف الشعبية, ومن ثَمَّ لا تخضع هذه المقامات للتقعيد والضبط كما يخضع تقعيد الأنظمة اللغوية, ولكن الباحث مع ذلك يستطيع أن يصل إلى أنواع منها, وأن يرصد ما يستعمل من "مقال" في كل "مقام" بحسب العادة دون أن يدعى لارتباط هذا المقال بما نسب إليه من مقام أي نوع من أنواع الحتمية؛ لأن المقامات والمقالات جميعًا من عمل الإنسان, والإنسان أكثر شيء استعصاء على الضبط والتقعيد, ويكفي للدلالة على ذلك ما ورد في الأثر من قوله: "اتق شر من أحسنت إليه", فلو خضع الإنسان لقاعدة لتوقع المحسن ممن أحسن إليه الخير, ولم يتق منه الشر.
بقي أن نشير إلى أن النظر في المعنى الدلالي نظر في معنى الكلام "لفظًا أو كتابة" بواسطة علمي اللغة والاجتماع, ذلك بأن المعنى الذي ننظر فيه هنا معنى مقالٍ جرى استعماله فعلًا في مقام ما, بالنطق أو بالكتابة, والاستعمال هو الأداء, وهو الكلام بنوعية السمعي النطقي والبصري الكتابي. هذا هو تشقيق المعنى, وقد رأينا أنه ينبني على تشقيق اللغة نفسها, وعلى النظر إلى كل شقٍّ منها باعتباره فرعًا من فروع البحث في المعنى, مما يؤدي في النهاية إلى أن تكون اللغة في عمومها نظامًا عرفيًّا يشرح العلاقة الاعتباطية بين الرمز وبين المعنى من حيث عرفيتها واطرادها. أما تحليل المعنى على المستويات المختلفة فإنه