يمكن أن يمثل الجانب النظري من "علم المعجم", فيبين كيف تخرج الكلمة عن معناها الحقيقي الوضعي إلى معانٍ أخرى مجازية, ويستمد مادته من تاريخ الاستعمال في اللغة العربية, بل يحسن في هذا الجانب النظري للمعجم أيضًا دراسة أصل الدلالة الحقيقية نفسها بواسطة النظر في طرق العرف والوضع بالارتجال والاقتراض والتعريب ونحوها, مع العناية بوجهة النظر التاريخية التي تبحث في أصول الكلمات المستعملة فعلًا من ناحية البنية, وفي تطور دلالتها على مر العصور. ذلك هو الجانب النظري للمعجم, وهو موزع بين علم البيان وعلم الصرف وعلم المتن وبحوث فقه اللغة وتاريخ الأدب, ولكنه قد آن له الأوان أن يتوحد في علم واحد يسمَّى "علم المعجم", ويتخذ موضوعًا أساسيًّا له طرق المعاجم ومادتها, والمعنى المعجمي -ذلك المتعدد المحتمل. المعجم إذًا جزء من اللغة, ولكنه ليس نظامًا من أنظمة اللغة. هو من اللغة لأنه سجّل لكلماتها ولمعاني هذه الكلمات, وهذه الكلمات ساكنة صامتة بالفعل ولكنها صالحة بالقوة لأن تصير ألفاظًا مسموعة, أو خطوطًا مكتوبة مقروءة في سياق كلام, فالمعجم إذن معين صامت ساكن هادي مستعمل بالقوة لا بالفعل, شأنه في ذلك شأن اللغة كلها؛ حيث عبر عنها أحد العلماء بقوله: إنها1 Silent reservoire وهذا المعين الاستاتيكي إذا وضع في حالة استعمال وحركة وديناميكية أصبحت النتيجة كلامًا لا لغة. فكلمة "رجل" مثلًا موجودة مختزنة في تجربة الجماعة صامتة صالحة لأن يستعملها الفرد عند الإرادة, فإذا لم يستعملها ظلت صامتة ساكنة هادئة, وهي في هذه الحالة جزء من اللغة لا من الكلام, فإذا نطقها الفرد أو كتبها أخرجها من مجال القوة إلى مجال الفعل, وجعلها جزءًا من الكلام الذي هو نشاط وسلوك.

واللغة العربية بهذا مكونة من ثلاثة أنظمة, وقائمة من الكلمات التي لا تنتظم في جهاز واحد, وهذه الأنظمة والقائمة تكون معينًا صامتًا, فإذا أردنا أن نتكلم أو أن نكتب نظرنا في هذا المعين الصامت فوضعنا محتوياته في حالة عمل وحركة, فأخذنا منه الكلمات ورصفناها على شروط الأنظمة, أي: بحسب قواعد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015