في الأداء, والصمت الذي يأتي عن تمام المعنى جزئيًّا أو كليًّا أو عن انقطاع النفس أو لأي سبب يدعو إلى قصد الوقف يعتبر عكس الحركة تمامًا فبينه وبين الحركة تنافر. والحركة التي تقع في نهاية الدفعة الكلامية لا بُدَّ لمقطعها أن يكون من نوع "ص ح", وهو نوع لا يقع عليه النبر, وهو في آخر الدفعية الكلامية أبدًا, أو انعدام النبر في هذا المقطع يضعف الحركة في النطق ويجعلها من قبيل الرَّوْم, وهو الاصطلاح الذي أطلقه النحاة على الوقوف بها ضعيفة, بل من قبيل الإشمام الذي هو تهيؤ الشفتين لنطق الحركة دون حدوث هذا النطق, ومن ثَمَّ تكون الحركة الأخيرة في ضعفها وقصورها عن الوصول إلى الأذن غير ذات قيمة كبيرة باعتبارها قرينة لفظية على المعنى, ومن هنا اختار الاستعمال أن ينشئ ظاهرة الوقف دفعًا للتنافر, ودلالة على موقع انتهاء الدفعة الكلامية, وهو موقع يرتبط تمام المعنى جزئيًّا أو كليًّا كما ذكرنا, ولقائل أن يقول: فلم بقيت هذه الحركة في قوافي الشعر ولم يلجأ الشعراء إلى ظاهرة الوقف يستعملونها في نهاية كل بيت من أبيات القصيدة, والجواب على ذلك من وجهين:

الأول: إن الشعر موسيقى, والموسيقى تكون بالحركة والمد ولا تكون بالسكون, ولذا كان الشعر أشد حرصًا على الحركة في قوافيه منه على السكون, ومع ذلك لم يرفض الشعر السكون رفضًا تامًّا فارتضى القوافي المقيدة بالسكون لا لحبه للسكون نفسه, وإنما لاصطناع تقييد القافية باعتباره طريقة تعبيرية ذات قيمة خاصة في مجال المزاج الشعري.

الثاني: إن الحركات التي في قوافي الشعر يغلب فيها ألّا تبقى على كميتها القصيرة, فإن الطابع الإنشادي للشعر العربي يجعل الشاعر يترنَّم بالشعر فيشبع حركاته الأخيرة بما يسمَّى إطلاق القافية فتطول الحركة وتصبح مدًّا, والوقف على المد تباركه القاعدة حتى في الاستعمال غير الشعري.

وللوقف وسائل متعددة غير الإسكان: فله غير الإسكان الرَّوْم والإشمام والإبدال والزيادة والحذف والنقل والتضعيف؛ فالرَّوْم إضعاف صوت الحركة دون أن تختفي تمامًا على الأذن, والإشمام عدم النطق بالضمة, ولكن مع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015