الاجتماعي أو معنى المقام, وهو أشمل من سابقيه, ويتصل بهما على طريق المكامنة1؛ لأنه يشملهما ليكون بهما وبالمقام معبرًا عن معنى السياق في إطار الحياة الاجتماعية على نحو ما سنرى بعد قليل. وهذا التشقيق هو ما أسهمت به الدراسات اللغوية الحديثة في محاولة الكشف عن المعنى اللغوي, وسنحاول في هذا الكتاب أن نطبقه على اللغة العربية الفصحى, مع تسليط أضواء المنهج الحديث على النتائج الباهرة المشرّفة التي توصل إليها علماؤنا الأقدمون في حقل الكشف عن المعنى, والتي وصلتنا في كنوز التراث العربي, ومع محاولة الإفادة من الأفكار والمصطلحات الصالحة للاستعمال في الحاضر من هذا التراث لنرصّع بها هذه الدراسة للمعنى, معترفين طول الوقت بالفضل لأعظم رجلين من رجال الدراسات اللغوية في الثقافة العربية, وهما سيبويه وعبد القاهر, ويبدو فضل أولهما في حقل التحليل, كما يبدو فضل ثانيهما في حقل التركيب.

وآمل أن يرى القارئ من خلال هذا البحث الخصائص التركيبية المختلفة للغة العربية, مما يتضح منه علاقاتها الداخلية, وعبقريتها في الصياغة, وأسرار جمالها وكفاءتها, وهي التي نبهت أذهان الكثيرين من الدراسين قديمًا وحديثًا, فحاول كلٌّ منهم من جانبه أن يستعرض هذه النواحي تحت عنوانات مختلفة منها "الخصائص" و"أسرار العربية" و"أسرار اللغة" و"عبقرية اللغة العربية" و"فلسفة اللغة العربية", وذلك إلى جانب ما اشتملت عليه فصول كتب فقه اللغة من دراسات في هذا الحقل تحت عنوانات مختلفة, فأثمر بعض هذه المحاولات رطبًا جنيًّا, وأثمر بعضها الآخر حصر ما, ولكن ما أثمر وما لم يثمر كانا جميعًا صدًى لإدراك شخصي من قِبَل المؤلفين لوجود خصائص تركيبية دقيقة للغة العربية. وهذه الخصائص مبانٍ للمعاني, والمعاني غايات لها. ومن أمثلة صور احتباك تركيب السياق في اللغة العربية وكفاءة طرقها التركيبية ما يبدو في الجهاز الصرفي وفي التعليق النحوي, وفي حقل الظواهر الموقعية السياقية؛ لأن كل هذه الظواهر مناط للمعاني الوظيفية كما يتضح في الفصول التالية من هذا الكتاب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015