ومثل القواعد الأصولية في استخراج الأحكام؛ مثل الترتيبات الشكلية للقضايا المنطقية, وكما يكون الحكم المنطقي بالصواب أو الخطأ يكون الحكم الأصولي بالوجوب أو الإباحة أو التحريم, فالمعنى الأصولي إذًا من قبيل المعاني العقلية لا العرفية, ومن الفنية لا الاجتماعية, ومع ذلك ينبغي لنا أن نشير هنا إلى أن الأصوليين قد أبلوا بلاء حسنًا في تحديد المعنى على طريقتهم, وأنهم أثناء تقسيمهم لدلالة الكلمة قدَّموا لنا نوعًا سلبيًّا هامًّا جدًّا من هذه الدلالة, اصطلحوا على تسميته: "مفهوم المخالفة". ولهذا المفهوم قيمة خاصة لدينا الآن عند الكلام عن "القيم الأخلاقية" التي تتكّون منها الأنظمة اللغوية على نحو ما سنرى بعد قليل, وكلاهما يذكرنا بفكرة الخلاف التي قال بها الفراء من النحاة.
والذي تقدَّم يحكي قصة موقف التراث العربي والإسلامي من قضية المعنى, أما الغربيون من الناظرين في المعنى فقد تعددت هوياتهم ومشاربهم, فقد نظر في المعنى كثير من فروع الدراسات الإنسانية كالفلسفة والمنطق وعلم النفس والأنثروبولوجيا والأدب واللغة وغيرها. ولقد اختلفت النظرة إلى المعنى باختلاف هذه الفروع وبحسب اهتمام كل فرع منها بجانب خاصٍّ من جوانب المعنى, فأما الفلاسفة فيتناولون دراسة المعنى في كلامهم عن "الأبيتستيمولوجيا", وهي فرع من الفلسفة يدور حول نظرية المعرفة, وهم يدخلون إلى الكلام في مشكلة المعنى من مدخل العلاقة بين الدوالّ والمدلولات1, ويستطيع من يشاء النظر في ذلك أن يطّلع على كتاب The Meaning of Meaning الذي ألفه العالمان الإنجليزيان l صلى الله عليه وسلم Richards CZ Menging, وقد حدّد موضوعه في عنوانه بأنه صلى الله عليه وسلم Study of the lnfluence of Langugage Upon Thought and of the Science of Symbolism. ولقد عالجا في هذا الكتاب موضوعات فلسفية على جانب عظيم من الأهمية كما يتضح من عناوين فصوله التي نكتفي بإيرادها هنا عن استعراض الكتاب نفسه.