وهذه القرائن الخاصة كلها تجتمع كما سبق في قرينة معنوية كبرى أعمّ منها تشملها جميعًا وتسمَّى قرينة التخصيص, وإنما سميت هذه القرينة الكبرى قرينة التخصيص لما لاحظته من أنَّ كلِّ ما تفرع عنها من القرائن قيود على علاقة الإسناد, بمعنى أن هذه القرائن المعنوية المتفرعة عن التخصيص يعبِّر كلٌّ منها عن جهة خاصة في فهم معنى الحدث الذي يشير إليه الفعل أو الصفة.
فإذا قلنا: ضرب زيد عمرًا, أو يضرب زيد عمرًا, أو زيد ضرب عمرًا, أو زيد يضرب عمرًا, أو زيد ضارب عمرًا, أو أضارب زيد عمرًا, أو فليضرب زيد عمرًا, أو اضرب عمرًا, أو ضربًا عمرًا, فإن إسناد الضرب إلى المسند إليه كان في كل مثال مما سبق مخصَّصًا بوقوعه على عمرو, أي: إن الوقوع على عمرو كان قيدًا في إسناد الضرب إلى من أسند إليه, وكان أيضًا جهة في الضرب حالت بينه وبين أن يفهم على إطلاقه فطوعته لِأَنْ يفهم من جهة وقوعه على عمرو, وهذا هو المعنى الذي قصدت إليه بقولي: إن المفعول به هنا يعتبر تعبيرًا عن الجهة, وأن التعدية تخصيص لعلاقة الإسناد التي بين الضرب وبين من أسند إليه. يقول عبد القاهر1: "كذلك إذا عديت الفعل إلى المفعول فقلت: ضرب زيد عمرًا, كان غرضك أن تفيد التباس الضرب الواقع من الأول بالثاني ووقوعه عليه", ومعنى هذا في تفسيرنا لقول عبد القاهر: إن التباس الضرب بالثاني جهة في إسناد الضرب إلى الأول. وينبغي هنا أن نشير إلى أن التعدية إذا كانت معنى أحد مشتقات مادة ما فهي معنى لبقية المشتقات من هذه المادة, كما يتضح في مشتقات الضرب التي أوردناها منذ قليل؛ إذ وجدنا التعدية في الفعل والصفة والمصدر على السواء. وأود أيضًا أن أضيف أن الجهة هنا قيد في الحدث لا في الزمن, وسنرى تفصيل الكلام في النوعين عند الكلام عن الجهة, وهو آت إن شاء الله.
وإذا قلت: أتيت رغبة في لقائك أو كي ألقاك أو لألقاك إلخ. فإنك قد أسندت الإتيان إلى نفسك مقيدًا بسبب خاصٍّ وهذا القيد, وهو الغائية, يعتبر جهة في فهم الإتيان؛ لأن هذا الإتيان بدون سبب أعم منه وهو مسبب, فالإتيان