وأما الترتيب فإنه وضع العلامات المنطوقة أو المكتوبة في سياقها الاستعمالي حسب رتب خاصة تظهر بها فوائد التقديم والتأخير اللذين كانا موضع عناية فائقة من لدن عبد القاهر, وكذلك يظهر بهذا الترتيب ما كان من الرتب محفوظًا أو غير محفوظ.
وأما أخطر شيء تكلم فيه عبد القاهر على الإطلاق فلم يكن النظم ولا البناء ولا الترتيب, وإنما كان "التعليق", وقد قصد به في زعمي: إنشاء العلاقات بين المعاني النحوية بواسطة ما يسمَّى بالقرائن اللفظية والمعنوية والحالية, ولعل من المؤسف حقًّا أن نضَّطر اضطرارًا إلى أن نفهم من مصطلح عبد القاهر ما لم ينص هو على معناه نصًّا صريحًا، ذلك بأن عبد القاهر لم يقصد قصدًا مباشرًا إلى شرح ما يعنيه بكلمة "التعليق", ولكن إشارات عامة جاءت في سياق نصّ كتابه تشير عن بعد أو قرب إلى فهمناه عنه بهذا الاصطلاح. فمن ذلك عبارته المشهورة التي يرى أن الكلمات في النص "يأخذ بعضها بحجز بعض", وكذلك قوله1: "هذا هو السبيل. فلست بواجد شيئًا يرجع صوابه إن كان صوابًا, أو خطؤه إن كان خطأ إلى النظم, ويدخل تحت هذا الاسم إلّا وهو من معاني النحو قد أصيب به موضعه, ووضع في حقه, أو عومل بخلاف هذه المعاملة واستعمل في غير ما ينبغي له, فلا ترى كلامًا قد وصف بصحة نظم أو فساده أو وصف بمزية أو فضل فيه إلّا وأنت تجد مرجع تلك الصحة وذلك الفساد وتلك المزية وذلك الفضل إلى معاني النحو وأحكامه, ووجدته يدخل في أصلٍ من أصوله, ويتَّصل بباب من أبوابه", وإن عبد القاهر حين ينصّ على أن معاني النحو -التي نسمي جمورها أبوابًا- وأحكامه التي هي ضوابط