ومعنى اقتصار النحاة على هذه القبائل دون غيرها, ودون سائرها, أن النحاة وضعوا لأنفسهم معيارًا خاصًّا للانتقاء، فإنه لم يؤخذ عن حضري قط, ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم التي تجاور سائر الأمم الذين حولهم"1. ولقد كان لهذا الموقف التلفيقي من قِبَل النحاة أثره في المعنى النحوي والصرفي, سواء ما كان من ذلك متصلًا بالرواية أو بالاستشهاد أو بالسماع والقياس أو بالتمرينات القياسية التي كانت تأخذ صورة تراكيب لم تسمع عن العرب, أو بموقفهم من التصويب والتخطئة2.
والمعنى التحليلي الوظيفي الذي درسه النحاة وجعلوه حقل تخصصهم ذو ثلاث شعب:
1- الشعبة الأولى: دراسة الأصوات العربية, وقد فصّل النحاة القول في وصف مخارجها وصفاتها فرادى, ثم تناولوا بالدراسة ما رأوه منها داخلًا في حيز الإدغام كما فهموه, وذلك مثل إدغام المتماثلين مخرجًا, والمتقاربين مخرجًا, والمشتركين في طرف اللسان, ثم الإدغام بالصفة مثل: إدغام المجهور والمهموس معًا بأن يصيرا معًا إلى الجهر أو إلى الهمس, وبعض أمثلة القلب, وبعض الأمثلة الشاذة.
2- والشعبة الثانية: دراسة الصرف التي عنوا فيها بالأصول والزوائد, وبيان المشتق والجامد, وتحديد أشكال الصيغ, وحصر اللواحق وأماكن إلحاقها, والزيادات وأماكن زيادتها, ثم ما يلحق الصيغ من إعلال أو إبدال أو قلب أو حذف. وهذه الشعبة من دراسة اللغة وإجادة القول فيها أفردت الصرفيين العرب بمكانٍ لا يدانيه أيّ مكان آخر في عالم اللغويين قديمًا أو حديثًا, ولا يزال كشفهم عن النظام الصرفي العربي موضع الإعجاب والاحترام, وسيظل دائمًا كذلك في نظر اللغويين في مختلف أنحاء العالم.