تسمح له باستعمالها. فلم يتأت لكائنين بشريين أن يخلقا لغة فيما بينهما إلا لأنهما كانا ممهدين لهذا العمل. فحال اللغة حال جميع المخترعات البشرية. كثيرا ما احتدم الجدل حول معرفة ما إذا كانت اللغة الإنسانية واحدة الأصل أم متعددة وهذه مسألة لا طائل من ورائها. ففي اليوم الذي يضيف تقدم الذكاء الإنساني درجة جديدة من الكمال، يحدث الكشف الجديد من ذاته وفي بقاع متعددة في نفس الوقت. فهو منتشر في الهواء كما يقول العلماء ويشعر الإنسان بمجيئه كما يتوقع وقد أقبل الخريف سقوط الفواكه الناضجة في أحد البساتين.
من الوجهة النفسية، ينحصر الفعل اللغوي الأساسي في إعطاء قيمة رمزية للعلاقة. هذه العملية النفسية تميز لغة الإنسان من لغة الحيوان1 فمن الزيف أن يقال في المقارنة بين تلك وهذه بأن الثانية لغة طبيعية في حين أن الأولى لغة صناعية توافقية. لغة الإنسان ليست أقل طبيعية من لغة الحيوان، ولكنها من درجة أعلى من حيث إن الإنسان، وقد أعطى للعلامات قيمة موضوعية، جعل هذه القيمة تتنوع بالموافقة إلى ما لا نهاية. الفرق بين لغة الإنسان ولغة الحيوان مستقر في تقويم طبيعة العلامة2. والكلب والقرد والطائر تتفاهم مع بنات جنسها، فإن لها صيحات وحركات وأغاني تقابل حالات نفسانية خاصة من الفرح والرعب والرغبة والشهية، بعض هذه الصيحات تلتئم مع بعض حاجات خاصة إلتئاما يكاد يمكن من ترجمتها في جملة من لغة الإنسان، ومع ذلك فإن فصائل الحيوان لا تصدر جهلا3؛ لأنها عاجزة عن تنويع عناصر صيحاتها، مهما بلغت هذه الصيحات