تطور اللغة المستمر في معزل عن كل تأثير خارجي، يعد أمرا مثاليا لا يكاد يتحقق في أية لغة. بل على العكس من ذلك فإن الأثر الذي يقع على لغة ما من لغات مجاورة لها كثيرا ما يلعب دورا هاما في التطور اللغوي.
ذلك لأن احتكاك اللغات ضرورة تاريخية، واحتكاك اللغات يؤدي حتما إلى تداخلها. وها نحن أولاء نرى تحت أعيننا وبالقرب ما أقاليم جمع فيها التاريخ على هويته شعوبا تتكلم لغات مختلفة، وفي الأقاليم التي من هذا القبيل يقتضي التوسع في التبادل التجاري وضرورة الاتصال معرفة لغات عدة معرفة جيدة. وكانت شبه جزيرة البلقان في كل عصورها ولا تزال حتى الآن ملتقى لكثير من اللغات، ومن الأجناس والجنسيات والأديان. ففيها اليوم أجناس مختلفة من سلافيين وإغريقيين وألبانيين ورومانيين وأتراك ويهود وأرمنيين. وكلهم يكونون جماعات كبيرة أو صغيرة. وهناك إغريق في تراقيا ورومانيون في مقدونيا وألبانيون في اليونان. والحدود السياسية لا تنطبق في أي مكان على الحدود الجنسية ولا على الحدود الدينية. فكل من الديانات الكاثوليكية والأرثوذكسية والإسلامية واليهودية تضم سكانا ينتبسون إلى أجناس مختلفة وجنسيات متباينة. واللغات التي