البدائية. ومهما اختلفت عن لغاتنا الحديثة، فإنها لا تفيدنا علما إلا بالتغيرات التي طرأت على الكلام، ولا تدلنا على شيء من كيفية نشوئها.
كذلك لا يمكن استخلاص شيء في هذا الصدد من لغات المتوحشين. فالمتوحشون ليسوا بدائيين، رغم الإسراف في تسميتهم بهذا الاسم في غالب الأحيان. فهم يتكلمون أحيانا لغات على درجة من التعقيد لا تقل عما في أكثر لغاتنا تعقيدا، ولكن منهم من يتكلم لغات على درجة من البساطة تحسدهم عليها أكثر لغاتنا بساطة. فهذه وتلك ليست إلا نتيجة تغيرات تغيب عنا نقطة البدء التي صدرت عنها. وإذا كان هنالك من فرق بين لغات الشعوب التي تسمى متحضرة ولغات المتوحشين، فهو في الأفكار التي تعبر عنها أكثر مما هو في العبارة نفسها. فلغات المتوحشين في وسعها أن تفيدنا في معرفة ما بين الكلام والفكر من روابط1 وليس في معرفة ما كانت عليه الصورة البدائية للكلام.
وقد يجنح الإنسان في البحث عن هذا المطلب في كلام الأطفال2، وهذه المحاولة أيضا سيكون نصيبها الفشل. لأن الأطفال لا يعلموننا إلا كيف تحصل لغة منظمة، ولا يعطوننا أية فكرة عما كان عليه الكلام عند أصل نشوئه. فحينما تلاحظ المجهودات التي ينفقها أحد الأطفال ليعيد ما يسمعه مما يقال للمدركين، فإننا نلحظ أكثر من علامة دالة على أسباب التغيرات التي يتعرض لها الكلام. ولكن الطفل لا يؤدي إلا ما قيل أمامه، فهو يشتغل بالعناصر التي يمده بها من حوله، ومنها يركب كلماته وجملة. إنه يقوم بعمل المحاكاة لا الخلق، عمل يخلو من