تنوعها المجير؛ فالمسألة في كل حالة من الحالات مسألة حس أكثر منها مسألة مذهب نحوي. إذ إن هناك ترتيبا معتادا مبتذلا يطرق الذهن لأول وهلة1. وهذا الترتيب يمكن مخالفته، ولكن مجرد المخالفة ينبئ عن غرض ما، ذلك الغرض هو إبراز كلمة من الكلمات لتوجيه التفات السامع إليها. وتلك مسألة أسلوبية يمكن تتبعها إلى أقصى وقائعها، ومن ثم كانت دراسة التنظيم كثيرا ما تجوز على دراسة الأسلوب.
هذا النوع من الدراسة في غاية الدقة، ويتطلب حسا لغويا مدربا، ولطفا عاليا في الذوق الأدبي، يضاف إليها معرفة نادرة بالظروف الفيولوجية للغة المدروسة. لذلك لم يمارس حتى الآن إلا في حيز ضيق. ففي ميدان الفيولوجية الكلاسيكية -وهو من أغنى الميادين بالبحوث- لم يقبل الباحثون على عمل تحقيقات منهجية حول موضع الكلمات في الجملة إلا منذ عهد قريب. بل إن المنهج الذي يناسب هذه المباحث لم يزل في بدء تحدده2.
مما استقرت عليه الآراء في أيامنا هذه أنه ينبغي للنحوي الذي يريد دراسة التنظيم في لغة ما ألا يأخذ الجمل في مجموعها ليعرف النظام الذي يسير عليه في ترتيب الكلمات. بل عليه أولا وقبل كل شيء أن يميز أنواع الجمل المختلفة ثم يعين في كل نوع منها بعض المجاميع التي تسير على نظام ثابت. لأن الاستعمال لا ينحصر في الواقع في ترتيب كلمات الجملة كلمة كلمة، بل في تهيئة المكان لمجاميع من الكلمات ففي الجملة الاسمية مثلا يؤول الأمر إلى طرفين: المسند إليه sujet والمسند Predicat. والفعل، إذا كان مصرحا به "انظر ص166"، ينتسب إلى المسند، وموضع الفعل بالنسبة إلى المسند أمر ثانوي مستقل عن الأول. فالترتيب الطبيعي في اللاتينية هو homo avarus est "الإنسان بخيلا يكون" أو avarus est homo "بخيلا يكون الإنسان" تبعا لما إذا كان يراد إبراز فكرة الإنسان أو فكرة البخل،