اللغه (صفحة 17)

جديدا على الطبيعة، بينما يستأنف الحيوان في كل يوم جهاده القاصر ضدها دون نتيجة حاسمة، فذلك لأن الإنسان يعرف في بعض الأحيان كيف ينظر إلى العالم منزها عن الغرض. أما الحيوان، ذو الروح المسرف في الناحية العملية فإنه عبد إدراكه الذي يحمله دائما على القيام تقريبا بعمل واحد آلي بعينه". فالبحث عن الحقيقة المنزه عن الغرض هو آكد الوسائل للوصول إلى المنفعة1.

أما عن الدور الذي قامت به الكتابة والطباعة في سبيل البحث عن الحقيقة -وهما كما هي الحال في اللغة، خليط من اختراعات عديدة قد حوكيت وتنوقلت وطبعت بالطابع الاجتماعي- فذلك ما ستكشف عنه المجلدات التالية. فالكتابة قد خلقت أشياء متكلمة، والطباعة أكثرت من عددها إلى غير ما حد وخلدتها. وهكذا أمكن للفكر أن ينتظر على المكان والزمان والموت2 ولكن كثيرا ما ينتهي التفكير المجرد إلى سراب وإلى الابتعاد عن الجادة. فالفكر في هذه الحال يجول في "عالم غير مخلوق يرجع إلى عهد الإنسان البدائي". عالم الأفكار، الذي هو أيضا عالم الألفاظ -من حيث المبدأ- وكان يمثل الأشياء3 ظن الإنسان بطبيعة الحال أن كل كلمة تقابلها حقيقة واقعية: ومن هنا نشأ الاعتقاد في الأصنام وفي جوهر الأشياء المحقق عمليا. ولما كانت بعض الألفاظ تحدث آثارا معينة، كان من الطبيعي أن يظن بأن كل كلمة لها هذه الصفة. "فالشخص الذي يدعو إليه صاحبا له موجودا على بعد منه، ويراه يهرول ملبيا نداءه، يسخر في ذلك قوة تختلف اختلافا واضحا عن القوى المادية، عن القوة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015