أحدها: أن قوله: «لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ» يدلّ على أنه تعالى أراد الإيمان من الكل؛ لأنه تعالى لا يجعل الشهيد على عباده إلا من كان عدلاً مرضياً، فإذا أراد أن يكونوا شهداء على الناس فقد أراد أن يكونوا جميعاً صالحين عدولاً، وقد علمنا أن منهم فسّاقاً، فدل ذلك على أن الله - تعالى - أراد من الفاسق كونه عدلاً.

وثانيها: قوله: «وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ» وكيف يمكن الاعتصام به مع أن الشر لا يوجد إلا منه.

وثالثها: قوله: «فَنِعْمَ المَوْلَى» فإنه لو كان كما يقوله أهل السنة من أنه خلق أكثر عباده ليخلق فيهم الكفر والفساد ثم يعذبهم لما كان نعم المولى، بل كان لا يوجد من شر المولى أحد إلا وهو شرٌّ منه، فكان يجب أن يوصف بأنه بئْس المولى. وذلك باطل فدل على أنه - سبحانه - ما أراد من جميعهم إلا الصلاح. فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون نعم المولى للمؤمنين خاصة كما أنه نعم النصير لهم خاصة؟ قلنا: إنه - تعالى - مولى الكافرين والمؤمنين جميعاً، فيجب أن يقال: نعم المولى للمؤمنين وبئس المولى للكافرين، فإن ارتكبوا ذلك فقد ردوا القرآن والإجماع وصرحوا بشتم الله - تعالى - تعالى الله عند ذلك.

ورابعها: أن قوله: {سَمَّاكُمُ المسلمين مِن قَبْلُ} يدل على إثبات الأسماء الشرعية وأنها من قبل الله - تعالى - لأنها لو كانت لغة لما أضيفت إلى الله تعالى على وجه الخصوص.

والجواب عن الأول: وهو قولهم إن كونه - تعالى - مريداً لكونه شاهداً يستلزم كونه مريداً لكون عدلاً. فنقول: إن كانت إرادة الشيء مستلزمة لإرادة لوازمه فإرادة الإيمان من الكافر يوجب أن تكون مستلزمة لإرادة جهل الله، ويلزم كونه - تعالى - مريداً لجهل نفسه، وإن لم يكن ذلك واجباً فقد سقط الكلام.

وأما قوله: «واعْتَصِمُوا بِاللَّهِ» فيقال: هذا أيضاً وارد عليكم، فإنه - سبحانه - خلق الشهوة في قلب الفاسق وأكدها وخلق المشتهى وقربه منه ورفع المانع ثم سلط عليه شياطين الإنس والجن، وعلم لا محالة أنه يقع في الفجور والضلال، وفي الشاهد كل من فعل ذلك فإنه يكون بئس المولى. فإن صح قياس الغائب على الشاهد فهذا لازمٌ عليكم وإن بطل سقط كلامكم بالكلية والله أعلم.

روى الثعلبي بإسناده عن أُبيّ بن كعب: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «من قرأ سورة الحج أعطي من الأجر كحجة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015