قوله تعالى: {وَإِن مِّن قَرْيَةٍ} الآية.
فلمَّا قال: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} [الإسراء: 57] بيَّن أنَّ كلَّ قرية مع أهلها، فلا بدَّ وأن يرجع حالها إلى أحد أمرين: إمَّا الإهلاك، وإمَّا التَّعذيب.
قال مقاتلٌ: أما الصالحة فبالموت، وأما الطالحة، فبالعذاب.
وقيل: المعنى: وإن من قريةٍ من قرى الكفَّار، فلا بدَّ وأن يكون عاقبتها إمَّا بالاستئصال بالكلِّيَّة، وهو الهلاك، أو بعذاب شديدٍ من قتل كبرائهم، وتسليط المسلمين عليهم بالسَّبي، واغتنام الأموالِ، وأخذ الجزية {كَانَ ذلك فِي الكتاب مَسْطُوراً} في اللَّوح المحفوظ.
قال صلوات الله وسلامه عليه: «أوَّل ما خلق الله تعالى القلم قال: أكتُبْ، قال: ما أكْتبُ؟ قال: القَدَر، وما هُو كَائِنٌ إلى الأبدِ» .
و «إنْ» نافية و «مِنْ» مزيدة في المبتدأ، لاستغراق الجنس. وقال ابن عطيَّة: هي لبيان الجنس، وفيه نظر من وجهين:
أحدهما: قال أبو حيَّان: «لأنَّ التي للبيان، لا بدَّ أن يتقدَّمها مبهم ما، تفسِّره؛ كقوله تعالى: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} [فاطر: 2] ، وهنا لم يتقدم شيء مبهم» ثم قال «ولعلَّ قوله» لبيان الجنس «من الناسخ، ويكون هو قد قال: لاستغراقِ الجنس؛ ألا ترى أنه قال بعد ذلك:» وقيل: المراد الخصوص «.
وخبر المبتدأ الجملة المحصورة من قوله: {إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا} .
والثاني: أنَّ شرط ذلك أن يسبقها محلَّى بأل الجنسيَّة، وأن يقع موقعها» الذي «كقوله: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} [الحج: 30] .