فقال الزمخشريُّ: فإن قلت: «فَبِمَ يتعلَّق في القراءةِ الأخرى، وقولك: وأدخل أنا بإذن ربهم كلام غير ملتئم؟ .
قلت: الوجه في هذه القراءة أنَّه يتعلق بما بعده، أي: تحيتهم فيها سلام بإذنِ ربهم» .
ورد عليه أبو حيَّان هذا بأنه لا يتقدم معمول المصدر عليه.
وقد علقه غير الزمخشريِّ ب «أدْخِلَ» ، ولا تنافر في ذلك؛ لأنَّ كلَّ أحد يعلم أنَّ المتكلم في قوله: «وأدْخِلَ» أنه هو الله تعالى.
وأحسن من هذين أن يتعلق بما بعده، أي: تحيتهم فيها سلامٌ بإن ربهم ورد في هذه القراءة بمحذوف على أنَّه حال كما تقدَّم تقديره.
و «تَحِيَّتُهُمْ» مصدر مضاف لمفعوله، أي: يحييهم الله تعالى، أو ملائكته، ويجوزم أن يكون مضافاً لفاعله، أي: يحيى بعضهم بعضاً.
ويعضد الأول {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم} [الرعد: 23، 24] و {فِيهَا} متعلق به.
فصل
أعلم أنَّ الثَّواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم، فأشار بقوله تعالى: {وَأُدْخِلَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} إلى المنفعة الخالصة واشار بقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا} إلى دوامها، وأشار إلى كونها مقرونة بالتعظيم بقوله {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} أي: بإذن الله وأمره، وبقوله عزَّ وجلَّ {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} [يونس: 10] أي: أنهم يحيى بعضهم بعضاً بهذه الكلمة، أو الملائكة يحيونهم بها، كما قال تعالى: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم} [الرعد: 23، 24] والرَّب الرحيم أيضاً يحييهم [بهذه الكلمة] {سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} [يس: 58] والسلام مشتقش من السلامة، أي: أنهم سلموا من آفات الدنيا آمنوا من أمرضها وأسقامها.