وقوله: «ظَلَمَتْ» في محل جرِّ صفةٍ ل «نَفْسٍ» أي: لكلِّ نفس ظالمة، و «ما فِي الأرض» اسمُ «أنَّ» و «لكلِّ» هو الخبر.
قوله: {لاَفْتَدَتْ بِهِ} : «افتدى» يجوز أن يكون متعدياً، وأن يكون قاصراً، فإذا كان مطاوعاً ل «فَدَى» كان قاصراً، تقول: فَدَيتُهُ فافْتَدَى، ويكُون بمعنى: فَدَى «فيتعدَّى لواحدٍ، والفعلُ هنا يحتملُ الوجهين: فإن جعلناه مُتعدِّياً، فمفعوله محذوفٌ تقديره: لافتدت به نفسها، وهو في المجاز، كقوله: {كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا} [النحل: 111] .
قوله:» وَأَسَرُّواْ «قيل:» أسرَّ «من الأضداد، يستعمل بمعنى: أظهر؛ كقول الفرزدق: [الطويل]
2905 - وَلَمَّا رَأَى الحَجَّاجَ جَرَّدَ سَيْفَهُ ... أَسَرَّ الحَرُورِيُّ الَّذِي كَانَ أَضْمَرَا
وقول الآخر: [الوافر]
2906 - فأسْررتُ النَّدامَةَ يَوْمَ نَادَى ... بِرَدِّ جمالِ غاضِرَةَ المُنَادِي
ويستعمل بمعنى:» أخْفَى «وهو المشهورُ في اللُّغةِ، كقوله - تعالى -: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: 77] . وهو في الآية يحتمل الوجهين، وقيل إنَّه ماض على بابه قد وقع، وقيل: بمعنى: المستقبل؛ لأنَّها لمَّا كانت واجبة الوقوع جعل مستقبلها كالماضي، وقد أبعد بعضهم، فقال: {وَأَسَرُّواْ الندامة} أي: بدتْ بالنَّدامة أسِرَّةُ وجوههم، أي: تكاسيرُ جباههم. قوله:» لَمَّا رَأَوُاْ «يجوزُ أن تكون حرفاً، وجوابها محذوفٌ لدلالة ما تقدَّم عليه، أو هو المتقدِّم عند من يرى تقديم جواب الشَّرطِ جائزاً، ويجوز أن تكون بمعنى:» حين «والنَّاصبُ لها:» أسَرُّوا «.
فصل
إذا فسرنا الإسْرار بالإخفاء ففيه وجوهٌ:
الأول: أنهم لمَّا رَأوا العذابَ الشَّديد، صارُوا مبهُوتين، لم يطيقُوا بكاء ولا صراخاً سوى إسرار النَّدامة، كمن يذهبُ به ليُصلب، فإنَّه يبقى مبهُوتاً لا ينطق بكلمة.
الثاني: أنَّهم أسرُّوا النَّدامة من سفلتهم، وأتباعهم، حياء منهم، وخوفاً من توبيخهم.
فإن قيل: إنَّ مهابة ذلك الوقت تمنع الإنسان من هذا التَّدبير، فكيف أقدمُوا عليه؟ .
فالجواب: أنَّ هذا الكتمان قبل الاحتراق، فإذا احترقوا، تركوا هذا الإخفاء