يريدُ ازداد عنهم رضا. قال ابنُ عبَّاسٍ: مَنْ تاب اللهُ عليه لمْ يُعذِّبْه أبَداً. وتقدمت هذه الآثار في سورة النساء.
وثالثها: أنه قال {لَقَدْ تَابَ الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه فِي سَاعَةِ العسرة} وهذا الترتيبُ يدلُّ على أنَّ المراد أنَّهُ تعالى تاب عليهم من الوساوس التي كانت تقعُ في قلوبهم في ساعة العسرةِ، ثمَّ إنه تعالى زاد عليه فقال: {مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ} فهذه الزيادة أفادت حصول وساوس قوية، فلا جرم أتبعها تعالى بذكر التوبة مرة أخرى لئلاَّ يبقى في خاطر أحدٍ شك في كونهم مؤاخذين بتلك الوساوس. ثمَّ قال تعالى {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} وهما صفتان لله تعالى، ومعناهما متقارب، ويمكنُ أن تكون الرَّأفة عبارة عن إزالة الضَّرر، والرحمة عبارة عن إيصال المنفعة.
وقيل: إحداهما للرَّحمة السَّالفة، والأخرى للمستقبلة.
قوله: {وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُواْ} الآية.
قوله «وعَلى الثَّلاثةِ» يجوزُ أن ينسقَ على «النبيِّ، أي: تاب على النبي، وعلى الثلاثة، وأن ينسقَ على الضَّمير في» عَليْهِمْ «أي: تاب عليهم، وعلى الثلاثة، ولذلك كُرِّرَ حرفُ الجر.
وقرأ جمهورُ النَّاس» خُلِّفُوا «مبنيّاً للمفعول مشدداً، من: خلَّفه يخلِّفه.
وقرأ أبُو مالك كذلك إلاَّ أنَّه خفَّف اللاَّم. وقرأ عكرمةُ، وزر بنُ حبيشٍ، وعمرُو بنُ عبيدٍ، وعكرمة بنُ هارُونَ المخزميّ، ومعاذ للقارئ» خَلَفُوا «مبنيّاً للفاعل مخففاً من:» خَلَفَه «.
والمعنى: الذين خلفوا، أي: فسدُوا، مِنْ: خُلُوف الفمِ. ويجُوزُ أن يكون المعنى أنهم خلفُوا الغازينَ في المدينة. وقرأ أبو العالية، وأبو الجوزاء كذلك، إلاَّ أنَّهُمَا شدَّدَا اللام وقرأ أبو رزين، وعلي بنُ الحسينِ، وابناه: زيدٌ، ومحمد الباقرُ، وابنه جعفر الصادقُ:» خَالفُوا «بألف، أي: لم يُوافِقُوا الغازين في الخروج.
قال الباقرُ» ولوْ خُلِّفُوا لم يكن لهم «.
وقرأ الأعمش» وعلى الثَّلاثة المخلَّفين «. و» الظَّن «هنا بمعنى العلم؛ كقوله: [الطويل]