118

فيه سؤالٌ: وهُو أنَّهُ كيف طلبَ المغفِرَة وهم كُفَّارٌ، واللَّهُ لا يغْفِرُ الشِّرْكَ؟ والجوابُ من وُجُوه:

الأول: أنَّهُ تعالى لمَّا قال لعيسى - عليه الصَّلاة والسَّلام -: {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله} [المائدة: 116] ، عَلِمَ أنَّ قوماً من النَّصَارى حَكوا هذا الكلام عَنْهُ والحَاكِي هذا الكُفر لا يكُون كَافِراً، بل مُذْنِباً بكذبِهِ في هذه الحكايَةِ، وغُفْرَانُ الذَّنْبِ جَائِزٌ، فلهذا طلبَ المَغْفِرَة.

والثاني: أنَّهُ يجُوزُ من الله - تعالى - أنْ يدخل الكُفَّارَ الجنَّة، ويدخل الزُّهَّاد النَّار؛ لأنَّ المُلْكَ مُلْكُهُ، ولا اعْتِرَاض لأحدٍ عليه، فكان غَرَضُ عيسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - بهذا الكلامِ تَفْويض الأمُور كُلّها إلى الله - تعالى، وترك الاعْتِرَاض بالكُلِّيَّةِ، ولذَلِك ختم الكلام بقوله {فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} أي: القادرُ على ما تُريدُ، الحكيم فيما تفعل لا اعتراض لأحد عليْكَ، وما أحسن ما قِيلَ: فإن أتَيْتُ ذَنْباً عظِيماً فأنْتَ للعَفْوِ أهْلٌ، فإن غَفَرْتَ، ففضلٌ، وإن جَزَيْتَ فعَدْلٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015