قوله: {وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات} يعني: المعاصي، لما ذكر شَرَائِطَ التَّوْبَةِ المقبولة، أرْدَفَهَا بِشَرْحِ التَّوبة التي لا تكونُ مقبولة، قوله: {حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت} «حتَّى» حرف ابتداء، والجملةُ الشَّرْطِيَّةُ بَعْدَهَا غايةٌ لما قَبْلََهَا، أي: ليست التَّوْبَةُ لقوم يَعْمَلُونَ السَّيَئاتِ، وغايةُ عملهم إذَا حَضَرَ أحدَهُمُ المَوْتُ قالوا «كيت وكيت» هذا وجه حَسَنٌ، ولا يجوزُ أنْ تكُونَ «حتى» جارّة ل «إذا» أي: يعملون السَّيِّئاتِ إلى وقت حضور الموتِ من حيثُ إنَّهَا شرطيَّةٌ، والشَّرْطُ لا يعمل فيه ما قبله، وإذا جعلنا «حتَّى» جارَّةً تعلَّقت ب «يعملون» وأدوات الشَّرْطِ لا يعملُ فيها ما قَبْلَهَا، ألا ترى أنَّهُ يجوزُ «بمَن تمرر أمْرُرْ» ، ولا يجوز: مَرَرْتُ بمن يقم أكرمْه، لأنَّ له صَدر الكلام، ولأنَّ «إذا» لا تَتَصَرَّفُ على المَشْهُورِ كما تَقَدَّمَ في أوَّل البَقَرَةِ؛ واستدلَّ ابْنُ مَالِك على تصرُّفِهَا بوجُوهٍ:
منها جرها ب «حتَّى» نحو: {حتى إِذَا جَآءُوهَا} [الزمر: 71] {حتى إِذَا كُنتُمْ} [يونس: 22] وفيه من الإشكال [ما ذكرته لك] وقد تَقَدمَ تقرير ذلك عند قوله، {حتى إِذَا بَلَغُواْ} [النساء: 6] .
فصل
دلت هذه الآية عَلَى أنَّ من حَضَرَهُ المَوْتُ وشاهد أهواله لا تقبل توبته، ويُؤيِّدُهُ أيضاً قوله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} [غافر: 85] .
وقال في صفةِ فِرْعَونَ {أَنَّهُ لاا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ المسلمين آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ المفسدين} [يونس: 90، 91] وقوله: {حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ رَبِّ ارجعون لعلي أَعْمَلُ صَالِحاً [فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ] قَآئِلُهَا} [المؤمنون: 99 - 100] وقوله {وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ