صدقه، فإذا أخبرهم بعد ذلك أن الله أمر الخلق بالإيمان به عرفوا - عند ذلك - وجوبه، فتقرير هذا الدليل في عقولهم هو المراد من الميثاق.
ويحتمل أن المراد بأخذ الميثاق أنه - تعالى - شرح صفاتِه في كتب الأنبياء المتقدِّمين، وإذا صارت مطابقة لما في كتبهم المتقدمة، وجب الانقياد له، فقوله تعالى: {ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ} يدل على هذين الوجهين، أما على الأول فقوله: «رسولٌ» ، وأما على الثاني فقوله {مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ} .
قوله: {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ} فاعل «قَالَ» يجوز أن يكون ضمير الله - تعالى - وهو الظاهر - وأن يكون ضمير النبي الذي هو واحد النبيين، خاطب بذلك أمَّته، ومتعلَّق الإقرار محذوف، أي: أقررتم بذلك كله؟ والاستفهام - على الأول - مجاز؛ إذ المراد به التقرير والتوكيد عليهم؛ لاستحالته في حق الباري تعالى، وعلى الثاني: هو استفهام حقيقة.
و «إصري» على الأول - الياء لله - تعالى - وعلى الثاني للنبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
وقرأ الامة «إصري» بكسر الهمزة، وهي الفصحى، وقرأ أبو بكر عن عاصم - في رواية - «أُصْرِي» بضمها ثم المضموم الهمزة يحتمل أن يكون لغة في المكسور - وهو الظاهرُ - ويحتمل أن يكون جمع إصار ومثله أزُر في جميع إزار، والإصر: الثقل الذي يلحق الإنسان؛ لأجل ما يلزمه من عَمَلٍ، قال الزمخشري: «سُمِّي العهدُ إصْراً؛ لأنه مما يؤصر، أي: يُشَدّ، ويُعْقَد، ومنه الإصار الذي يُعْقَد به» وتقدم الكلام عليه في آخر البقرة.
فصل
إذا قلنا: إن اللهَ - تعالى - هو الذي أخذ الميثاق على النبيين كان قوله {أَأَقْرَرْتُمْ} معناه: أأقررتم بالإيمان به، والنَّصْرِ له.
وذلك حين استخرج الذرية من صلب آدَمَ والأنبياء فيهم كالمصابيح - وأخذ عليهم الميثاق في أمر محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثم قال: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِي} ؟ أي قبلتم على ذلك عهدي.
والإصر: العهد الثقيل؛ والإقرار في اللغة منقول بالألف من قَرَّ الشيء يَقِرُّ إذا ثبت ولزم مكانه، وأقره غيره، والمقرُّ بالشيء، يُقِرُّه على نفسه، أي: يثبته.
والأخذ بمعنى القبول كثير في كلامهم، قال تعالى: {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 48] أي: لا تُقْبَل فِدْيَةٌ.