جائزاً، لما حسن طلب دَفْعِهِ بالدُّعاء من الله تعالى، وأجاب المعتزلة بوجوهٍ:

الأول: المراد بالآية ما يشقُّ فعله مشقَّةً عظيمةً؛ كما يقول الرجل: لا أستطيع أن أنظر إلى فلانٍ؛ إذا كان مستثقلاً له؛ قال الشاعر: [الرجز]

1314 - إِنَّكَ إِنْ كَلَّفْتَنِي مَا لَمْ أُطِقْ ... سَاءَكَ مَا سَرَّكَ مِنِّي مِنْ خُلُقْ

وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في المملوك: «لَهُ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ، ولاَ يُكَلَّفُ مِنَ العَمَلِ مَا لاَ يُطِيقُ» أي: ما يشقُّ عليه، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في المريض «يصلِّي وهو جالسٌ، فإن لم يَسْتَطِعْ، فَعَلَى جَنْبٍ» ، فقوله: «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ» ليس المراد به: عدم القوَّة على الجلوس، بل كلُّ الفقهاء يقولون: المراد منه: إذا كان يلحقه في الجلوس مشقَّةٌ شديدةٌ؛ وقال تعالى: {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} [هود: 20] ، أي: كان يشقُّ عليهم ذلك.

الثاني: أنه تعالى لم يقل: «لاَ تُكَلِّفْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ» بل قال: {لاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} والتَّحميل: هو أن يضع عليه ما لا طاقة له بتحمُّله، فيكون المراد منه العذاب، والمعنى: لا تحملنا عذابك الذي لا نطيق احتماله، فلو حملنا الآية على ذلك، كان قوله: «لاَ تُحَمِّلْنَا» حقيقةً فيه، ولو حملناه على التكليف، كان قوله: «لاَ تُحَمِّلْنَا» مجازاً فيه، فكان الأوَّل أولى.

الثالث: هب أنَّهم سألوا الله تعالى ألاَّ يكلِّفهم ما لا قدرة لهم عليه، لكن ذلك لا يدلُّ على جواز أن يفعل خلافه؛ لأنَّه لو دلَّ على ذلك، لدلَّ قوله: {رَبِّ احكم بالحق} [الأنبياء: 112] على جواز أن يحكم بالباطل، وكذلك قول إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء: 87] على جواز خزي الأنبياء.

وقوله تعالى: {وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين} [الأحزاب: 1] ، وقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}

[الزمر: 65] ، وذلك لا يدلُّ على جواز أن يطيع الكافرين والمنافقين، ولا على جواز الشِّرك.

وأجاب مخالفوهم: بأن الوجه الأول مدفوعٌ من وجهين:

الأول: أنه لو كان المراد من ألا يشدِّد عليهم التَّكاليف، لكان معناه ومعنى الآية الأولى واحداً، فتكون تكراراً محضاً، وهو غير جائزٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015