فنقول: إنَّ الله تعالى ندبهم إلى التقرُّب إليه بأفضل ما يملكونه، كمن يتقرب إلى السُّلطان بتحفة، وهدية، فلا بدّ وأن تكون تلك التحفة أفضل ما في ملكه، فكذا - هاهنا -.
قوله: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} هذه الجملة فيها قولان:
أحدهما: أنها مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإعراب، وإليه ذهب أبو البقاء.
والثاني: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال، ويظهر هذا ظهوراً قوياً عند من يرى أن الكلام قد تمَّ عند قوله: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث} وما بعده استئنافٌ، كما تقدَّم.
والهاء في {بِآخِذِيهِ} تعود على «الخَبِيث» وفيها، وفي نحوها من الضمائر المتصل باسم الفاعل؛ قولان مشهوران:
أحدهما: أنها في محلِّ جر، وإن كان محلُّها منصوباً؛ لأنها مفعولٌ في المعنى.
والثاني: - وهو رأي الأخفش - أنها في محلِّ نصبٍ، وإنما حذف التنوين، والنون في نحو: «ضَارِبُنْكَ» بثبوت التنوين، وقد يستدلُّ لمذهبه بقوله: [الطويل]
1227 - هُمُ الفَاعِلُونَ الخَيْرَ والآمِرُونَهُ..... ... ... ... ... ... ... ...
وقوله الآخر: [الطويل]
1228 - وَلَمْ يَرْتَفِقْ وَالنَّاسُ مُحْتَضِرُونَهُ..... ... ... ... ... ... ... ... .
فقد جمع بين النون النائبة عن التنوين، وبين الضمير.
قوله: {إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ} الأصل: إلاَّ بأن، فحذف حرف الجرِّ مع «أنْ» فيجيء فيها القولان: أهي في محلِّ جرٍّ، أم نصب؟ وهذه الباء تتعلَّق بقوله: {بِآخذيه} . وأجاز أبو البقاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن تكون «أنْ» وما في حيِّزها في محلِّ نصب على الحال، والعامل فيها «آخِذيه» . والمعنى: لَسْتُم بآخذِيه في حالٍ من الأحوال إلا في حال الإغماض، وقد تقدَّم أنَّ سيبويه - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجيز أن تقع «أَنْ» ، وما في حيِّزها موقع الحال. وقال