وقرأ البزِّيُّ هنا وفي مواضع أُخر بتشديد التاء، على أنه أدغم التاء الأولى في الثانية، وجاز ذلك هنا وفي نظائره؛ لأنَّ الساكن الأول حرف لين، وهذا بخلاف قراءته {نَاراً تلظى} [الليل: 14] {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} [النور: 15] فإنه فيه جمع بين ساكنين، والأول حرفٌ صحيحٌ، وفيه كلامٌ لأهل العربية، يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
قال أبو علي: هذا الإدغام غير جائزٍ؛ لأنَّ المدغم يسكَّن، وإذا سكِّن، وجب أن تجلب همزة الوصل عند الابتداء به كما جلبت في أمثلة الماضي، نحو {فادارأتم} [البقرة: 72] و {ارتبتم} [المائدة: 106] و {اطيرنا} [النمل: 47] .
لكن أجمعوا على أنَّ همزة الوصل لا تدخل على المضارع.
وقرأ ابن عباس، والزُّهريُّ «تُيَمِّمُوا» بضم التاء، وكسر الميم الأولى، وماضيه: يمَّم، فوزن «تُيَمَّمُوا» على هذه القراءة: تفعِّلوا من غير حذفٍ، وروي عن عبد الله «تُؤَمِّموا» من أمَّمت، أي: قصدت.
والتيمم: القصد، يقال: أمَّ ك «رَدَّ» ، وأمَّم ك «أخَّر» ، ويمَّم، وتيمَّم بالتاء، والياء معاً، وتأمَّم بالتاء والهمزة. وكلُّها بمعنى قصد. وفرَّق الخليل - رَحِمَهُ اللَّهُ - بينها بفروقٍ لطيفةٍ، فقال: «امَّمْتُه أي قصدت أمامه، ويمَّمْتُه: قصدته من أيِّ جهةٍ كان» .
والخبيث والطيب: صفتان غالبتان، لا يذكر موصوفهما؛ قال تعالى: {والخبيثون لِلْخَبِيثَاتِ والطيبات لِلطَّيِّبِينَ والطيبون لِلْطَّيِّبَاتِ} [النور: 26] ، {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبآئث} [الأعراف: 157] ، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
«مِنَ الخُبْثِ، والخَبائث» .
قوله: {مِنْهُ تُنْفِقُونَ} «منه» متعلِّقٌ بتنفقون، وتنفقون فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال من الفاعل في «تَيَمَّموا» أي: لا تقصدوا الخبيث منفقين منه، قالوا: وهي حالٌ مقدَّرة، لأن الإنفاق منه يعق بعد القصد إليه، قاله أبو البقاء وغيره.