فصل في سبب التثنية بعد الجمع
جمع في قوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ} ثم قال: {أَيُّهَ الثقلان} ؛ لأنهما فريقان، وكل فريق جمع، وهذا كقوله تعالى: {يامعشر الجن والإنس إِنِ استطعتم} ، ولم يقل «إن استطعتما» ؛ لأنهما فريقان في حال الجمع، كقوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} [النمل: 45] .
وقوله تعالى: {هذان خَصْمَانِ اختصموا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] ، ولو قال: سنفرغ لكما، أو قال: استطعتما، لجاز.
وقرأ أهل «الشَّام» : «أيُّهُ الثَّقلانِ» بضم الهاء، والباقون: بفتحها.
فصل في أن الجن مكلفون
هذه الآيات التي في «الأحقاف» ، و {قُلْ أُوحِيَ} [الجن: 1] دليل على أن الجن مخاطبون مكلفون مأمورون منهيّون مثابون معاقبون كالإنس سواء، مؤمنهم كمؤمنهم، وكافرهم ككافرهم.
قوله تعالى: {يامعشر الجن والإنس إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض فانفذوا} [الرحمن: 33] الآية. لما بين أن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن، كأن قائلاً قال: فلم أخر عذابهم؟ .
فأجيب: بأن الجميع في قبضته، وأن الذي يستعجل إنما يخاف الفوت، والجميع في قبضة الله - تعالى - فلا يفوتونه.
و «المعشر» : الجماعة العظيمة؛ لأن المعشر هو العدد الكامل الكثير الذي لا عدد بعده إلاَّ بابتداء فيه حيث يعيد الآحاد، تقول: أحد عشر، واثنا عشر وعشرون، وثلاثون، أي ثلاث عشرات، فالمعشر كأنه في محل العشر الذي هو الكثرة الكاملة.
فإن قيل: ما الحكمة في تقديم الجنّ على الإنس هاهنا، وتقديم الإنس على الجن في قوله تعالى: {قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرآن} [الإسراء: 88] ؟ .
فالجواب: أن النفوذ من أقطار السموات والأرض بالجن أليق إن أمكن، والإتيان