مكية وهي ستون آية، وثلاثمائة وستون كلمة، وألف ومائتان وتسعة وثمانون حرفا بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: {والذاريات ذَرْواً} أول هذه السورة مناسب لآخرها قبلها، لأنه تعالى لما بين الحشر بدلائله، وقال: {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق: 44] وقال: {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45] تُجْبِرهم على الإيمان، إشارة إلى إصرارهم على الكفر بعد إقامة البرهان، وتلاوة القرآن عليهم، لم يبق إلا اليمين فقال: {والذاريات. . إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} وقال في آخرها {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الذي يُوعَدُونَ} [الذاريات: 60] .
فصل
وفي الحكمة في القسم ههنا وجوه:
أحدها: أن الكفار كانوا يَنْسبون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للجدال، ومعرفة طرقه، وأنه عالم بفساد قولهم، وأنه يغلبهم بمعرفته بالجدال، وحينئذ لا يمكن أن يقابلهم بالأدلة، كما أن من أقام خَصْمُه عليه الدليل ولم يبق له حجة، يقول: إنه غلبني، لعلمه بالجدل وعجزي عن ذلك، وهو يعلم في نفسه أن الحق تبعي ولا يبقى للمتكلم المبرهن غير اليمين، ليقول: والله إن الأمر كما أقول ولا أجادلك بالباطل لأنه لو استدل بطريق آخر يقول خصمه فيه كقوله الأول، فلا يبقى إلا السكوت، أو التمسك بالأيمان، وترك إقامة البرهان.