وشرط إحصان الرجم: أن يكون حراً، بالغاً، عاقلاً، مسلماً، قد تزوج امرأة نكاحاً صحيحاً، ودخل بها وهما على صفة الإحصان.
ولا يجمع في المحصن بين الجلد والرجم، ولا يجمع في البكر بين الجلد والنفي، إلا أن يرى الإمام ذلك مصلحةً فيغربه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(و) شرط (الإحصان: أن يكون حراً، بالغاً، عاقلاً، مسلماً، قد تزوج امرأة نكاحا صحيحاً ودخل بها وهما) أي الزوجان (على صفة الإحصان) قال في الهداية: فالعقل والبلوغ شرط لأهلية العقوبة؛ إذ لا خطاب دونهما، وماوراهما يشترط لتكامل الجناية بواسطة تكامل النعمة، إذ كفران النعمة يتغلظ عند تكثرها، وهذه الأشياء من جلائل النعم، وقد شرع الرجم بالزنا عند استجماعها فيناط به، ثم قال: والمعتبر في الدخول الإيلاج في القبل على وجه يوجب الغسل، وشرط صفة الإحصان فيهما عند الدخول حتى لو دخل بالمنكوحة الكافرة أو المملوكة أو المجنونة أو الصبية لا يكون محصنا، وكذا إذا كان الزوج موصوفا بإحدى هذه الصفات وهي حرة مسلمة عاقلة بالغة، وتمامه فيها.
(ولا يجمع في المحصن بين الجلد والرجم) ، لأن الجلد يعرى عن المقصود مع الرجم، لأن زجر غيره يحصل بالرجم، إذ هو في العقوبة أقصاها، وزجره لا يحصل بعد هلاكه (ولا يجمع في البكر بين الجلد والنفي) ، لأنه زيادة على النص، والحديث منسوخ كشطره، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة (هذا الذي ذكره الشارح هو جزء من حديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن عبادة بن الصامت، وهو بتمامه: (خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. والثيب بالثيب جلد مائة ورمي بالحجارة) والمراد بالبكر غير المحصن لأن من شرط الإحصان التزوج كما عرفت، والمراد بالثيب المحصن، وقد تضمن الحديث مسألتين: أولاهما أن حد الرجل المحصن والمرأة المحصنة أن يجلد كل واحد منهما مائة جلدة ثم يرجم، وقد أجمع الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في أشهر الروايات عنه أن حكم هذا الحديث في هذه المسألة منسوخ بما تظافرت رواياته من الأحاديث الناطقة بأنه صلى الله عليه وسلم لم يجمع على المحصن والمحصنة بين الجلد والرجم؛ فقد روى أهل الحديث أنه رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما، ورووا أنه عليه الصلاة والسلام أمر في العسيف - بعد أن سأله عن الإحصان ولقنه الرجوع - برجمه فقال: اذهبوا به فارجموه) ولم يزد في صاحبته عن ذلك حيث قال (اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) ولو كان الجلد واجبا لقال (فإن اعترفت فاجلدها ثم ارجمها) وذهب أهل الظاهر إلى أنه يجمع بين الجلد والرجم في الثيب وهي رواية عن أحمد بن حنبل، وهم محجوجون بما ذكرنا.
وأما المسألة الثانية التي تضمنها الحديث فهي أن حد الرجل غير المحصن والمرأة غير المحصنة أن يجلد كل واحد منهما مائة جلدة ويغرب عاما، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يجمع بين الجلد والتغريب حدا، وذهب الشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي إلى أنه يجمع بينهما حدا، تمسكا بهذا الحديث. ولأن في بقاء الزاني والزانية ببلدهما إشاعة للفاحشة وفي تغريبهما حسما لمادة الزنا، لأن كلا منهما يغرب إلى بلد لا يعرفه فيها أحد أو يقل من يعرفه فيها، وأما أبو حنيفة وأصحابه فقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بالآية الكريمة: وهي قول الله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائسة جلدة} وجه الاستدلال من الآية على ما ذكرنا أنه سبحانه قد جعل كل الحد جلد كل واحد منها مائة جلدة، فلا تجوز الزيادة عليه، وأما الحديث الذي تمسك فيه الشافعي فهو منسوخ الحكم في هذه المسألة كما أنه منسوخ الحكم في المسألة الأولى بالإجماع من الطرفين، وأما استدلالهم بما ذكرنا عنهم من العلة فهو معارض بأن التغريب قد يكون فتحا لباب الزنا، وذلك لأن المرأة إذا تغربت ولا مادة لها فقد تتخذ الزنا مكسبة، وهذا أشنع وجوه الزنا، ويؤكد ذلك قول علي ابن أبي طالب: "كفى بالنفي فتنة" كما في الهداية (إلا أن يرى الإمام ذلك مصلحة فيغربه