تصديقًا لقوله تعالى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69]، وقد رَوى مسلمٌ الحديثَ بأتَمَّ مِن هذا، وهذه القِسمةُ تتضمن معظمَ أنواع التداوي؛ لأن الأمراضَ الامتلائيةَ دمويةٌ، وصفراويةٌ، وبَلغَميةٌ، وسوداويةٌ: فشفاءُ الأول بإخراج الدم المُنبِّه عليه بالحجامة، والثلاثةُ الأخرى بالمُسهل اللائق، فنبَّه بالعسل على المُسهلات، ونبَّه بالكَيِّ على الدَّاء العُضَال الذي لا تنحسم مادتُه إلا بالكَي، وقد وصفَه - صلى الله عليه وسلم - ثم نهى عنه بقوله: "وأَنْهَى أُمَّتي عن الكَيِّ"، أي: لِمَا فيه من الألم الشديد والخطر العظيم، فإن قيل: إذا كان فيه شفاءٌ فكيف نهى عنه؟ قيل: لأنهم كانوا يَرَونه حاسمًا للداء مُبرِئًا منه، فنَهَى عنه على ذلك الوجه، وأَباحَه حيث كان طلبُ الشفاءِ من الله تعالى وتَرجِّي ذلك منه، وقيل: النهيُ إذا كان على سبيل الاحتراز من حدوث المرض وقبلَ الاضطرار إليه، وإذا كان ألَمُه زائدًا على ألم المرض، مع أنه نهيُ تنزيهٍ لا ينافي الجوازَ، وقولُ بعضِ الصوفية: إذا كان كلُّ شيءٍ بقَدَرٍ فلا حاجةَ للمداواة؟ جوابه: أن التداوي أيضًا بقَدَرِ الله تعالى فهو كالأمر بالدعاء والنهي عن الإلقاء في التهلُكة، مع أن الأجلَ والمقدوراتِ لا تتغيَّر.

(رَفعَ الحديثَ)؛ أي: رفعَه ابنُ عباس إلى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

(ورواه القُمِّي) بضم القاف وتشديد الميم: يعقوب بن عبد الله، نسبةً إلى: قُمٍّ، بلدة من عراق العجم، وحديثُه وصلَه البزَّار، وهو في "الغَيْلانِيات".

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015