قال (ط): في الحديث تسمية النَّصيحة دِينًا وإسلامًا، فإنَّ الدِّين يقَع على العمل كما يقع على القَول، قال: وهي فرض كفايةٍ مَن قام به سقَط الفرض عن غيره، وهي لازمةٌ قدْر الطَّاقة إذا عَلم الناصح أنَّه يقبل نُصحه، ويُطاع أمرُه، وأَمِنَ على نفْسه، وإلا فهو في سَعةٍ، وقيل: لا يكون النُّصح لله ولرسوله حتى يَبدأَ الناصِح بنفْسه، ويجتهد في طلَب العِلْم ليَعرف ما يجبُ عليه.
وسبَب تحديث جَريرٍ بذلك فيما روى الطَّبراني: أنَّ مولاه اشترى له فَرَسًا بثلاث مئةٍ، وجاء لصاحبها لينقدُه الثَّمن، فقال جَريرٌ للبائع: فَرسُك خيرٌ من ثلاث مئةٍ، أتبيعُه بأربع مئةٍ، ثم لم يَزَل يقول له: فَرسُك خيرٌ من كذا حتى بلغ ثمان مئةٍ، فاشتراه بها، فقيل له في ذلك، فقال: إني بايعتُ ... ، الحديثَ، وكان إذا قوَّم السِّلعة يُعرِّف المشتري عُيوبَها، ثم خيَّره، فقيل له: إذا فعلتَ ذلك لم ينعقد لك بيعٌ، فقال: إنا بايَعنا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - على النُّصح لكلِّ مُسلمٍ.
* * *
58 - حَدَّثَنَا أبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ المُغِيرَهُ بْنُ شُعْبَةَ، قَامَ فَحَمِدَ الله وَأثنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: عَلَيْكُم بِاتِّقَاءَ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَالوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ حَتَّى يَأتِيَكُم أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الآنَ، ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا لأَمِيرِكُم، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ العَفْوَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أتيْتُ