هَذَا يَوْمَ حَجٍّ وَلا يَوْمَ غَزَاةٍ فَقَالَ يَا فَاطِمَةُ مَا أَغْفَلَكِ عَمَّا فِيهِ أَبُوكِ إِنَّ رَسُول الله يُوَدِّعُ الدِّينَ وَيُفَارِقُ الدُّنْيَا وَيُعْطِي الْقِصَاصَ مِنْ نَفْسِهِ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ يَا بِلالُ وَمَنْ ذَا الَّذِي تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ رَسُول الله: يَا بِلَال إِذن فَقل لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن يقومان إِلَى هَذَا الرجل فيقتص مِنْهُمَا وَلَا يدعانه يقْتَصّ من رَسُول الله وَدفع رَسُول الله الْقَضِيبَ إِلَى عُكَّاشَةَ فَلَمَّا نَظَرَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَى ذَلِكَ قَامَا فَقَالا يَا عُكَّاشَةُ هَذَانِ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ فَاقْتَصَّ مِنَّا وَلا تَقْتَصَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ لَهما النَّبِي امْضِ يَا أَبَا بَكْرٍ وَأَنْتَ يَا عُمَرُ فَامْضِ فَقَدْ عَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى مَكَانَكُمَا وَمَقَامَكُمَا فَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ يَا عُكَّاشَةُ أَنَا فِي الْحَيَاةِ بَين يَدي رَسُول الله وَلا تَطِيبُ نَفْسِي أَنْ تَضْرِبَ رَسُول الله فَهَذَا ظَهْرِي وَبَطْنِي اقْتَصَّ مِنِّي وَاجْلِدْنِي مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَقْتَصَّ من رَسُول الله فَقَالَ النَّبِي يَا عَلِيُّ اقْعُدْ فَقَدْ عَرَفَ اللَّهُ مَقَامَكَ وَنِيَّتَكَ فَقَامَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنَ فَقَالا يَا عُكَّاشَةُ أَلَسْتَ تَعْلَمَ أَنَّا سِبْطَا رَسُولِ اللَّهِ فَالْقِصَاصُ مِنَّا كَالْقِصَاصِ مِنْ رَسُولِ الله فَقَالَ لَهما النَّبِي اقْعُدَا يَا قُرَّتَيْ عَيْنِي لَا نَسِيَ اللَّهُ تَعَالَى لَكُمَا هَذَا الْمقَام، فَقَالَ النَّبِي يَا عُكَّاشَةُ اضْرِبْ إِنْ كُنْتَ ضَارِبًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ضَرَبْتَنِي وَأَنَا حَاسِرٌ فَكَشَفَ عَنْ بَطْنِهِ وَصَاحَ الْمُسْلِمُونَ بِالْبُكَاءِ وَقَالُوا أَتُرَى عُكَّاشَةُ ضَارِبَ رَسُولِ اللَّهِ، فَلَمَّا نَظَرَ عُكَّاشَةُ إِلَى بَيَاضِ بطن رَسُول الله كَأَنَّهُ الْقِرْطَاسُ لَمْ يَمْلِكْ أَنْ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَ بَطْنَهُ وَهُوَ يَقُولُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مَنْ تُطِيقُ نَفْسُهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْكَ فَقَالَ لَهُ النَّبِي إِمَّا أَنْ تَضْرِبَ وَإِمَّا أَنْ تَعْفُوَ فَقَالَ قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ رَجَاءَ أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنِّي يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ النَّبِي مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا يُقَبِّلُونَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْ عُكَّاشَةَ وَيَقُولُونَ طُوبَاكَ طُوبَاكَ نِلْتَ الدَّرَجَاتِ العلى ومرافقة رَسُول الله فَمَرِضَ مِنْ يَوْمِهِ فَكَانَ مَرِيضًا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَعُودُهُ النَّاسُ وَكَانَ وُلِدَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَبُعِثَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَقُبِضَ فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْمِ الأَحَدِ ثَقُلَ فِي مَرَضِهِ فَأَذَّنَ بِلالٌ بِالأَذَانِ ثُمَّ وَقَفَ بِالْبَابِ فَنَادَى السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ الصَّلاةَ يَرْحَمُكَ الله فَسمع رَسُول الله صَوْتَ بِلالٍ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ يَا بِلَال إِن رَسُول الله الْيَوْمَ مَشْغُولٌ بِنَفْسِهِ فَدَخَلَ بِلالٌ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا أَسْفَرَ الصُّبْحُ قَالَ وَاللَّهِ لَا أُقِيمُهَا أَوْ أَسْتَأْذِنُ سَيِّدي رَسُول الله فَرَجَعَ وَقَامَ بِالْبَابِ وَنَادَى السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الصَّلاةَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَوْتَ بِلالٍ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ إِنَّ رَسُول الله مَشْغُولٌ الْيَوْمَ بِنَفْسِهِ مُرْ أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَخَرَجَ وَيَدُهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ وَاغَوْثَاهُ وَانْقِطَاعَ رَجَاهُ وَانْقِصَامَ ظَهْرِي لَيْتَنِي لَمْ تَلِدْنِي أُمِّي إِذْا وَلَدَتْنِي لَمْ أَشْهَدْ مِنْ رَسُولِ الله هَذَا الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلا إِنَّ رَسُولَ الله أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى خُلُوِّ الْمَكَان من رَسُول الله لَمْ يَتَمَالَكْ نَفْسَهُ أَنْ خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ وَصَاحَ الْمُسْلِمُونَ بِالْبُكَاءِ فَسمع رَسُول الله ضَجِيجَ النَّاسِ فَقَالَ مَا هَذِهِ الضَّجَّةُ فَقَالُوا ضَجَّةُ الْمُسْلِمِينَ لِفَقْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَدَعَا رَسُولُ الله عَلِيّ بْن أَبِي طَالب وَابْن عَبَّاسٍ وَاتَّكَأَ عَلَيْهِمَا فَخَرَجَ إِلَى