(وَغُلَام وأشمط ورضيع ... كلهم فِي التُّرَاب يَوْمًا يُزارُ)
(وقصور مشيدة حوت الْخَيْر ... وَأُخْرَى خلت فهن قفارُ)
(وَكثير مِمَّا يقصر عَنْهُ ... حدسه النَّاظر الَّذِي لَا يُحارُ)
(وَالَّذِي قد ذكرت دلّ على الله ... نفوساً لَهَا هدى وَاعْتِبَار)
فَقَالَ النَّبِي عَلَى رسلك يَا جارود فلست أنساهُ بسوق عكاظ عَلَى جمل لَهُ أَوْرَق وَهُوَ يتكلمُ بِكَلَام مونق مَا أظنُ أَنِّي أحفظه فَهَل مِنْكُم يَا معشرَ الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار من يحفظُ لنا مِنْهُ شَيْئا فَوَثَبَ أَبُو بَكْر قَائِما فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي أحفظه وكنتُ حَاضرا ذَلِكَ الْيَوْم بسوق عكاظ حِين خطبَ فأطنبَ.
وَرغب ورهب.
وحذر وأنذر.
فَقَالَ فِي خطبَته أَيهَا النَّاس اسمعوا وعوا.
وَإِذا وعيتم فانتفعوا.
إِنَّه مَنْ عَاشَ مَاتَ.
وَمَنْ مَاتَ فَاتَ.
وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ.
مطر ونبات.
وأرزاق وأقوات.
وآباء وَأُمَّهَات.
وَأَحْيَاء وأموات.
وَجَمِيع وأشتات.
وآيات بعد آيَات.
إِن فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا.
وَإِنَّ فِي الأَرْض لعبرًا.
ليلٌ داج.
وسماء ذَات أبراج.
وبِحار ذَات أمواج.
مَالِي أرى النَّاس يذهبونَ فَلَا يرجعُونَ.
أرضوا بالْمقَام فأقاموا.
أم تركُوا هُنَاكَ فَنَامُوا.
أقسم قس قسما.
حقًّا لَا حانثًا فِيهِ وَلَا إِثْمًا.
إِنَّ لِلَّهِ دِينًا هُوَ أحب إِلَيْهِ من دينكُمْ الَّذِي أَنْتُم عَلَيْهِ.
ونبيًّا قد حَان حِينه وأظلكم أَوَانه.
وأدرككم إبانه.
فطوبى لِمن آمن بِهِ فهداه.
وويلٌ لِمن خَالفه وَعَصَاهُ.
ثُمَّ قَالَ تَبًّا لأرباب الْغَفْلَة من الْأُمَم الخالية، والقرون الْمَاضِيَة.
يَا معشر إياد.
أَيْنَ الْآبَاء والأجداد.
وَأَيْنَ المريضُ والعواد.
وَأَيْنَ الفراعنة الشداد.
أَيْنَ من بنى وشيد.
وزخرف ونجد.
وغره المَال وَالْولد.
أَيْنَ من بغى وطغى.
وَجمع فأوعَى.
وَقَالَ أَنَا ربكُم الْأَعْلَى.
ألم يَكُونُوا أَكثر مِنْكُم أَمْوَالًا.
وَأبْعد مِنْكُم آمالاً.
وأطول مِنْكُم آجالا.
طحنهم الثرى بكلكه.
ومزقهم بتطاوله.
فَتلك عظامهم بالية.
وَبُيُوتهمْ خَالِيَة.
عمرتها الذئاب العاوية.
كلا بل هُوَ الله الْوَاحِد المعبود.
لَيْسَ بوالد وَلَا مَوْلُود.
ثمَّ أنشأ بقول:
(فِي الذاهبين الْأَوَّلين ... من الْقُرُون لنا بصائر)
(لَمّا رَأَيْت مواردًا ... للْمَيت لَيْسَ لَهَا مصَادر)
(ورأيتُ قومِي نَحوها ... تَمضي الأصاغرُ والأكابر)
(لَا يرجعُ الْمَاضِي إليّ ... وَلَا من البَاقِينَ غابر)
(أيقنتُ أَنِّي لَا محَالة ... حيثُ صَار الْقَوْم صائر)
قَالَ ثُمَّ جلس فَقَامَ رجلٌ من الْأَنْصَار فعده كَأَنَّهُ قِطْعَة جبلٍ ذُو هَامة عَظِيمَة.
وقامة جسيمة.
قد ذوب عمَامَته.
وأرخى ذؤابته.
منيف أنوف أشدق أجش الصَّوْت فَقَالَ يَا سيد