مَحِلَّهُ، هَذَا مَعَ قِلَّةِ عَدَدِ المُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ. . . فَأَعَزَّ اللَّهُ رَسُولَهُ، وأظْهَرَ وَحْيَهُ وتَنْزِيلَهُ، وَبَيَّضَ وَجْهَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وقَبِيلَهُ، وَأَخْزَى الشَّيْطَانَ وجِيلَهُ (?).
وَقَالَ الشَّيخُ أَبُو الحَسَنِ النَّدْوِيُّ: وفِي رَمَضَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الهِجْرَةِ، كَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى، وَهِيَ المَعْرَكَةُ الحَاسِمَةُ التِي بِهَا تَقَرَّرَ مَصِيرُ الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَمَصِيرُ الدَّعْوَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَعَلَيْهَا يَتَوَقَّفُ مَصِيرُ الإِنْسَانِيَّةِ المَعْنَوِيّ، فكلُّ مَا حَدَثَ مِنْ فُتُوحٍ وَانْتِصَارَاتٍ، وَكُلُّ مَا قَامَ مِنْ دُوَلٍ وَحُكُومَاتٍ، مَدِينٌ لِلْفَتْحِ المُبِينِ في مَيْدَانِ بَدْرٍ، وَلذَلِكَ سَمَّى اللَّهُ هَذِهِ المَعْرَكَةَ: "يَوْمَ الفُرْقَانِ"، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {. . . إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} (?).
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَن حبَنَّكَة المَيْدَانِي: كَانَتْ نتائِجُ هَذِهِ الغَزْوَةِ العَظِيمَةِ الدُّفْعَةَ الأُولَى مِنْ عَطَاءَاتِ النَّصْرِ الرَّبَّانِيِّ المُؤَزَّرِ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَالمُؤْمِنِينَ مَعَهُ، دُونَ أَنْ يَكُونَ لَدَيْهِمْ الوَسَائِلُ وَلَا القُدُرَاتُ المَادِيَّةُ لِاكْتِسَابِ النَّصْرِ.
لَقَدْ كَانَ انْتِصَارُ المُسْلِمِينَ عَلَى عَدُوِّهِمْ في هَذِهِ المَعْرَكَةِ بِمَثَابَةِ مُعْجِزَةٍ رَبَّانِيَّةٍ، مَكَّنَ اللَّهُ بِهَا إيمَانَ المُؤْمِنِينَ، وَأَعْطَاهُمْ بِهَا دَلِيلًا مَادِّيًّا مَشْهُودًا عَلَى أَنَّ النَّصْرَ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ (?).