قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فَهَذِهِ أحَادِيثٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَكَمَ بِمُوَافَقَةِ حُكْمِ التَّوْرَاةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الإِلْزَامِ بِمَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ، لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِاتِّباعِ الشَّرْعِ المُحَمَّدِيِّ لَا مَحَالَةَ، وَلَكِنْ هَذَا بِوَحْيٍ خَاصٍّ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَيْهِ بِذَلِكَ، وسُؤَالُهُ إيَّاهُمْ عَنْ ذَلِكَ لِيُقَرِّرَهُمْ عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ، مِمَّا تَرَاضَوْا عَلَى كِتْمَانِهِ وَجَحْدِهِ، وعَدَمِ العَمَلِ بِهِ تِلْكَ الدُّهُورِ الطَّوِيلَةِ، فَلَمَّا اعْترَفُوا بِهِ مَعَ عَمَلِهِمْ عَلَى خِلَافِهِ، بِأَنَّ زَيْغَهُمْ وعِنَادَهُمْ وتَكْذِيبَهُمْ لِمَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ مِنَ الكِتَابِ الذِي بِأَيْدِيهِمْ، وعُدُولهِمْ إِلَى تَحْكِيمِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِنَّمَا كَانَ عَنْ هَوًى مِنْهُمْ وشَهْوَةٍ لِمُوَافَقَةِ آرَائِهِمْ، لَا لِاعْتِقَادِهِمْ صِحَّةَ. مَا يَحْكُمُ بِهِ؛ لِهَذَا قَالُوا: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا}، والتَّحْمِيمَ {فَخُذُوهُ} أي: اقْبَلُوهُ، {وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} أيْ: مِنْ قَبُولهِ واتِّبَاعِهِ (?).
كَمَا سَأَلُوا الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ حُكْمِ الدِّيَةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ ابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وأَبُو دَاوُدَ في سُنَنِهِ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَتْ قُرَيْظَةُ والنَّضِيرُ، وَكَانَتِ النَّضِيرُ أشْرَفَ مِنْ قُرَيْظَةَ، قَالَ: وَكَانَ إِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْظَةَ رَجُلًا مِنَ النَّضِيرِ قُتِلَ بِهِ، وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ