قَوْلَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ بَنَى للَّهِ مَسْجِدًا كمِفْحَصِ (?) قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا في الجَنَّةِ" (?). وَوَافَقَهُ الصَّحَابَةُ المَوْجُودُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُغَيِّرُوهُ بَعْدَهُ، فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ قَوْلِ العُلَمَاءِ أَنَّ حُكْمَ الزِّيَادَةِ حُكْمَ المَزِيدِ، فتَدْخُلُ الزِّيَادَةُ في حُكْمِ سَائِرِ المَسْجِدِ مِنْ تَضْعِيفِ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَشَدِّ الرِّحَالِ إلَيهِ (?).
وَلَمْ يَكُنِ المَسْجِدُ مَوْضِعًا لِأَدَاءَ الصَّلَاةِ فَحَسْبُ، بَلْ كَانَ جَامِعَةً يَتَلَقَّى فِيهَا المُسْلِمُونَ تَعَالِيمَ الإِسْلَامِ وَتَوْجِيهَاتِهِ، ومُنْتَدى تَلْتَقِي فِيهِ العَنَاصِرُ القَبَلِيَّةُ المُخْتَلِفَةُ التِي طَالَمَا نَافَرَتْ بَيْنَهَا النَّزعَاتُ الجَاهِلِيَّةُ وحُرُوبُهَا، وقَاعِدَةً لِإِدَارَةِ جَمِيعِ الشُّؤُونِ، وبَثِّ الِانْطِلَاقَاتِ، وبَرْلَمَانًا لِعَقْدِ المَجَالِسِ الِاسْتِشَارِيَّةِ والتَّنْفِيذِيَّةِ.
وَكَانَ مَعَ هَذَا كُلِّهِ دَارًا يَسْكُنُ فِيهَا عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنْ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ