قُلْتُ: وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ضَعْفَ هَذَا الخَبَرَ أَنَّ عُمَرَ -رضي اللَّه عنه- رُغْمَ قُوَّتِهِ، وَشِدَّتِهِ لَا يَسْتَطِيعُ وَحْدَهُ أَنْ يُقَاتِلَ كُلَّ قُرَيْشٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ فِي الدَّارِ -أَيْ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه- (?) خَائِفًا، إِذْ جَاءَهُ العَاصُ بنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ: مَا بَالُكَ؟ قَالَ: زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونَنِي أَنْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْكَ، فَخَرَجَ العَاصُ، فَلَقَى النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمُ الوَادِي، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ هَذَا ابنَ الخَطَّابِ الذِي صَبَأَ، قَالَ: فَأَنَا لَهُ جَارٌ، لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، فكَرَّ (?) النَّاسُ (?).
وَكَانَتْ قُرَيْشٌ كُلَّمَا عَلِمَتْ بِأَحَدٍ يُرِيدُ الهِجْرَةَ آذَتْهُ، وَحَاوَلَتْ فِتْنَتَهُ أَوْ حَبْسَهُ، وَلذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَد يَجْرُؤُ عَلَى الخُرُوجِ إِلَّا خُفْيَةً.
وَلَمَّا قَدِمُوا المَدِينَةَ خَرَجَ أَبُو جَهْلٍ بنُ هِشَامٍ وَأَخُوهُ الحَارِثُ (?) إِلَى عَيَّاشِ بنِ أَبِي رَبِيعَةَ -رضي اللَّه عنه-، وَكَانَ ابنَ عَمِّهِمَا وَأَخَاهُمَا لِأُمِّهِمَا، حَتَّى قَدِمَا المَدِينَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَا يَزَالُ بِمَكَّةَ، فَكَلَّمَ أَبُو جَهْلٍ عَيَّاشًا، وَقَالَ لَهُ: