وَمَا يَوْمُ بُعَاثٍ بِبَعِيدٍ، وَقَدْ اكْتَوَوْا بِنَارِهَا، وَذَاقُوا مَرَارَتَهَا، وَعَافُوهَا، وَنَشَأَتْ فِيهِمْ رَغْبَةٌ فِي اجْتِمَاعِ الكَلِمَةِ، وَانْتِظَامِ الشَّمْلِ، وَالتّفادِي مِنَ الحُرُوبِ، وَذَلِكَ مَا عَبَّرُوا فِيهِ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا، وَلَا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِنَ العَدَاوَةِ وَالشَّرِ مَا بَيْنَهُمْ، فَعَسَى أَنْ يَجْمَعَهُمُ اللَّهُ بِكَ، فَإِنْ يَجْمَعهُمُ اللَّهُ بِكَ، فَلَا رَجُلَ أَعَزَّ مِنْكَ (?).

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (?).

3 - وَمِنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا، وَسَائِرَ العَرَبِ قَدْ طَالَ عَهْدُهُم بِالنُّبُوَّاتِ وَالأنْبِيَاءِ، وَأَصْبَحُوا يَجْهَلُونَ مَعَانِيهَا بِطُولِ العَهْدِ، وَبِحُكْمِ الأُمِّيَّةِ وَالإِمْعَانِ فِي الوَثَنِيَّةِ، وَالبُعْدِ عَن الأمَمِ التِي تَنْتَسِبُ إِلَى الأَنْبِيَاءِ، وَتَحْمِلُ الكُتُبَ السَّمَاوِيَّةَ -عَلَى مَا دَخَلَ فِيهَا مِنَ التَّحْرِيفِ وَالعَبَثِ- وَذَلِكَ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ القُرْآنُ بِقَوْلهِ تَعَالَى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} (?).

أَمَّا الأوْسُ وَالخَزْرَجُ فكَانُوا يَسْمَعُونَ اليَهُودَ يتَحَدَّثُونَ عَن النُّبُوَّةِ وَالأنْبِيَاءِ، وَيَتْلُونَ صُحُفَ التَّوْرَاةِ وَيُفَسِّرُونَهَا، بَلْ كَانُوا يتَوَعَّدُونَهُمْ بِهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ سَيبعَثُ نَبِيٌّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمٍ، وَفِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015