قَبْلَهُ لِقَوْمِهِمْ مِنْ أمْرِهِمْ، وكَانَ عَبْدُ المُطَّلِبِ جَسِيمًا أبْيَضَ، وَسِيمًا طِوَالًا فَصِيحًا، مَا رَآهُ أَحَدٌ قَطُّ إلَّا أَحَبَّهُ، وَشَرُفَ في قَوْمِهِ شَرَفًا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ، وأحَبَّهُ قَوْمُهُ، وعَظُمَ خَطَرُهُ فَيهِمْ حَتَّى عُرِفَ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ: "بِشَيْبَةَ الحَمْدِ" لِكَثْرَةِ حَمْدِ النَّاسِ إيَّاهُ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: "الفَيَّاضُ" لِجُودِهِ، ويُقَالُ لَهُ: "مُطْعِمُ طَيْرِ السَّمَاءِ"؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ مِنْ مَائِدَتِهِ لِلطَّيْرِ والوُحُوشِ عَلَى رُؤُوسِ الجِبَالِ.
ومِمَّا يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بِالكَرَمِ مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ والطَّحَاوِيُّ في شَرْحِ مُشْكِلِ الآثَارِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: جَاءَ حُصَيْنٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، فَقَالَ: يا مُحَمَّدُ، كَانَ عَبْدُ المُطَّلِبِ خَيْرًا لِقَوْمِهِ مِنْكَ: كَانَ يُطْعِمُهُمُ الكَبِدَ والسَّنَامَ. . . (?).
هذَا ولَمْ يَكُنْ عَبْدُ المُطَّلِبِ عَظِيمًا عِنْدَ قُرَيْشٍ فَحَسْبُ وَإِنَّمَا كَانَ عَظِيمًا كَذَلِكَ في جَمِيعِ أنْحَاءِ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ، فَقَدْ رُوِيَ أنَّهُ ذَهَبَ إِلَى اليَمَنِ مُهَنِّئًا بِالمُلْكِ عِنْدَمَا تَوَلَّى مَعْدِيكَرِبَ سَيْفُ بنُ ذِي يَزَنٍ عَرْشَ اليَمَنِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَبْدَ المُطَّلِبِ كَانَ ذُو مَكَانَةٍ عِنْدَ مُلُوكِ العَرَبِ كَمَا يَدُلُّ في الوَقْتِ نَفْسِهِ عَلَى مَكَانَتِهِ عِنْدَ قُرَيْشٍ حتَّى أنَّهُ كَانَ رَئِيسًا لِوَفْدِهَا فِي هَذِهِ المُهِمَّاتِ العَظِيمَةِ (?).
* * *