ولمَّا أسْلَمَ -رضي اللَّه عنه- كَانَ كَثِيرَ الصَّلاةِ والصَّوْمِ والصَّدَقَةِ، وَكَانَ كَثِيرَ البُكَاءَ إذَا سَمعَ القُرْآنَ -رضي اللَّه عنه- وأرْضَاهُ، وَكَانَ يَقُولُ: واللَّهِ لا أدَعُ مَوْقِفًا مَعَ المُشْرِكِينَ إلَّا وَقَفْتُ مَعَ المُسْلِمِينَ مِثْلَهُ، ولا نَفَقَةً أنْفَقْتُهَا مَعَ المُشْرِكِينَ إلَّا أنْفَقْتُ عَلَى المُسْلِمِينَ مِثْلَهَا، لَعَلَّ أمْرِي أَنْ يَتْلُوَ بَعْضُهُ بَعْضًا (?).
2 - ومِنْهَا أنَّ ألْوَاحَ قُلُوبِهِمْ كَانَتْ صَافِيَةً، لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهَا كِتَابَاتٌ دَقِيقَةٌ عَمِيقَةٌ يَصْعُبُ مَحْوُهَا وإزَالتهَا، شَأْنَ الرُّومِ والفُرْسِ، وأهْلِ الهِنْدِ، الذِينَ كانُوا يَتِيهُونَ ويَزْهَوْنَ بِعُلُومِهِمْ وآدَابِهِمْ الرَّاقِيَةِ، ومَدَنِيَّاتِهِمُ الزَّاهِيَةِ، وبِفَلْسَفَاتهمُ الوَاسِعَةِ، فكَانَتْ عِنْدَهُمْ عُقَدٌ نَفْسِيَّةٌ وفكْرِيَّةٌ، لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّهْلِ حَلُّهَا.
أمَّا العَرَبُ فَلَمْ تَكُنْ عَلَى ألْوَاحِ قُلُوبِهِمْ إلَّا كِتَابَات بَسِيطَة خَطَّتْهَا يَدُ الجَهْلِ والبَدَاوة، ومِنَ السَّهْلِ المَيْسُورِ مَحْوُهَا وغَسْلُهَا، ورَسْمُ نُقُوشٍ جَدِيدَةٍ مَكَانَهَا، وبِالتَّعْبِيرِ العِلْمِيِّ المُتَأَخِّرِ كانُوا أصْحَابَ الجَهْلِ البَسِيطِ، الذِي تَسْهُلُ مُدَاوَاتُهُ، بَيْنَمَا كَانَتِ الأُمَمُ المُتَمَدِّنَةُ الرَّاقِيةُ في هَذَا العَصْرِ مُصَابَةً بالجَهْلِ المُرَكَّبِ، الذِي تَصْعُبُ مُدَاوَاتُهُ وإزَالَتُهُ.
3 - ومِنْهَا أنَّهُمْ -أي العَرَبُ- كانُوا واقِعِيِّينَ جَادِّينَ، أصْحَابَ صَرَاحَةٍ وصَرَامَةٍ، لا يَخْدَعُونَ غَيْرَهُمْ ولا أنْفُسَهُمْ، اعْتَادُوا القَوْلَ السَّدِيدَ، والعَزْمَ