أمَّا العَرَبُ قَبْلَ الإِسْلَامِ فَسَاءَتْ أخْلَاقُهُمْ، فأوْغَلُوا بالخَمْرِ والقِمَارِ، وبَلَغَتْ بِهِمُ القَسَاوَةُ والحَمِيَّةُ المَزْعُومَةُ إلَى وَأْدِ (?) البَنَاتِ، وشَاعَتْ فِيهِمُ الغَارَاتُ، وقَطْعُ الطُّرُقِ عَلَى القَوَافِلِ، وسَقَطَتْ مَنْزِلَةُ المَرْأَةِ، فكَانَتْ تُورَثُ كَمَا يُورَثُ المَتَاعُ أوِ الدَّابَّةُ، ومِنَ المَأْكُولَاتِ مَا هُوَ خَاصٌّ بِالذُّكُورِ، مُحَرَّمٌ عَلَى الإِنَاثِ، وكانَ يَسُوَّغُ لِلرَّجُلِ أنْ يَتَزَوَّجَ ما يَشَاءُ مِنَ النِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ.
وكَانَتِ العَصَبِيَّةُ القَبَلِيَّةُ، والدَّمَوِيَّةُ شَدِيدَةً جَامِحَةً، وأُغْرِمُوا بالحَرْبِ، حتَّى صَارَتْ مَسْلَاةً لَهُمْ، ومَلْهًى وهِوَايَةً، يَنتهِزُونَ لِلتَّسْلِيَةِ، وقَضَاءَ هَوَى النَّفْسِ نُشُوبَ حَرْبٍ لَهَا مُسَوِّغٌ، أوَ لَا مُسَوِّغَ لَهَا، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ما قَالَهُ الشَّاعِرُ الجَاهِلِيُّ (الرُّقَّادُ بنُ المُنْذِرِ بنِ ضِرَارٍ الضَّبِّيُّ):
إذَا المُهْرَةُ الشَّقْرَاءُ أَدْرَكَ ظَهْرُهَا ... فَشَبَّ الإِلَهُ الحَرْبَ بَيْنَ القَبَائِلِ
وأَوْقَدَ نَارًا بَيْنَهُمْ بِضِرَامِهَا ... لَهَا وَهْجٌ لِلْمُصْطَلِي غَيْرُ طَائِلِ
وهَانَتْ عَلَيْهِمْ إِرَاقَةُ الدِّمَاءِ، فتثِيرُهَا حَادِثَةٌ تَافِهَةٌ، وتَدُومُ الحَرْبُ أرْبَعِينَ