سِيرَةَ المُحَارِبِ الشُّجَاعِ، والقَائِدِ المُنْتَصِرِ، والسِّيَاسِيِّ النَّاجِحِ، والجَارِ الأمِينِ، والمُعَاهِدِ الصَّادِقِ.
وخُلَاصَةُ القَوْلِ: إِنَّ سِيرَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ النَّوَاحِي الإنْسَانِيَّةِ في المُجْتَمَعِ، مِمَّا يَجْعَلُهُ القُدْوَةَ الصَّالِحَةَ لِكُلِّ دَاعِيَةٍ، وكُلِّ قَائِدٍ، وكُلِّ أبٍ، وكُلِّ زَوْجٍ، وكُلِّ صَدِيقٍ، وكُلِّ مُرَبِّي، وكُلِّ سِيَاسِيٍّ، وكُلِّ رئيسِ دَوْلَةٍ، وهَكَذَا. . .
خَامِسًا: إِنَّ سِيرَةَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تُعْطِينَا الدَّلِيلَ الذي لَا رَيْبَ فِيهِ عَلَى صِدْقِ رِسَالَتِهِ ونُبُوَّتِهِ، إنَّهَا سِيرَةُ إنْسَانٍ كَامِل سَارَ بِدَعْوَتِهِ مِنْ نَصْرٍ إلَى نَصْرٍ، لَا عَلَى طَرِيقِ الخَوَارِقِ والمُعْجِزَاتِ، بلْ عَنْ طَرِيقٍ طَبِيعِيٍّ بَحْتٍ، فَلَقَدْ دَعَا فَأُوذِيَ، وبَلَّغَ فَأَصْبَحَ لَهُ الأنْصَارُ، واضْطر إلَى الحَرْبِ فَحَارَبَ، وكَانَ حَكِيمًا، مُوَفَّقًا في قِيَادَتِهِ، فَمَا أزِفَتْ سَاعَةُ وَفَاتِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلَّا كَانَتْ دَعْوَتُهُ تَلُفُّ الجَزِيرَةَ العَرَبِيَّةَ كُلَّهَا عَنْ طَرِيقِ الإِيمَانِ، لا عَنْ طَرِيقِ القَهْرِ والغَلَبَةِ، ومَنْ عَرَفَ مَا كَانَ عَلَيْهِ العَرَبُ مِنْ عَادَاتٍ وعَقَائِدَ ومَا قَاوَمُوا بِهِ دَعْوَتَهُ مِنْ شَتَّى أنْوَاعِ المُقَاوَمَةِ حَتَّى تَدْبِيرِ اغْتِيَالِهِ، ومَنْ عَرَفَ عَدَمَ التَّكَافُؤِ بَيْنَهُ وبَيْنَ مُحَارِبِيهِ في كُلِّ مَعْرَكَةٍ انْتَصَرَ فِيهَا، ومَنْ عَرَفَ قِصَرَ المُدَّةِ التِي اسْتَغْرَقتهَا رِسَالتهُ حتَّى وَفَاتِهِ، وهِيَ ثَلَاثٌ وعِشْرُونَ سَنَةً، أيْقَنَ أنَّ مُحَمَّدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- رسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وأنَّ ما كَانَ يَمْنَحُهُ اللَّهُ تَعَالَى