قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَكَانَ بَقِيَ أَثَرُهَا -أَيْ أَثَرُ السُّمِّ- مَعَ ضَعْفِهِ لِمَا يُرِيدُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ تَكْمِيلِ مَرَاتِبِ الْفَضْلِ كُلِّهَا لَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِكْرَامَهُ بِالشَّهَادَةِ، ظَهَرَ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْأَثَرِ الْكَامِنِ مِنَ السُّمِّ؛ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا (?).
وَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُعَالِجُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِهَا، دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَفِي يَدِهِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟
فَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِرَأْسِهِ: أَنْ نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: أُلِينُهُ لَكَ؟
فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَأَخَذْتُهُ فَقَضَمْتُهُ حَتَّى لَيَّنْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَيْهِ، فَاسْتَنَّ بِهِ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ (?).