فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ عَامِر لِأَرْبَدَ: وَيْلَكَ يَا أَرْبَدُ أَيْنَ مَا كُنْتُ أَمَرتُكَ بِهِ؟ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ رَجُلٌ هُوَ أَخْوَفَ عِنْدِي عَلَى نَفْسِي مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ لَا أَخَافُكَ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا، فَقَالَ أَرْبَدُ: لَا تَعجَلْ عَلَيَّ، وَاللَّهِ مَا هَمَمْتُ بِالذِي أَمَرتَنِي بِهِ مِنْ أَمرِهِ إِلَّا دَخَلْتَ بَيْني وَبَيْنَ الرَّجُلِ، حَتَّى مَا أَرَى غَيْرَكَ، أَفَأَضْرِبُكَ بِالسَّيْفِ؟
فَتَعَجَّبَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ مِنْ ذَلِكَ.
ثُمَّ رَجَعَ وَفْدُ بَنِي عَامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ إِلَى بِلَادِهم، حَتَّى إِذَا كَانَا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بَعَثَ اللَّه عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ الطَّاعُونَ فِي عُنقِهِ، فَأَوَى إِلَى بَيْتِ امرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولٍ، وَكَانُوا مَوْصُوفِينَ بِاللُّؤْمِ، فَصَارَ يَتَأَسَّفُ عَلَى مَجِيءِ الْمَوْتِ له فِي بَيْتِهَا، وَيَقُولُ: يَا بَنِي عَامِرٍ أَغُدَّةً كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ، وَمَوْتًا فِي بَيْتِ امرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولٍ؟
فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ فِي بَيْتها لَعَنَهُ اللَّهُ.
وَأَمَّا أَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ فَإِنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ سَأَلُوهُ: مَا وَرَاءَكَ يَا أَرْبَدُ؟
قَالَ: لَا شَيْءَ، وَاللَّهِ لقد دَعَانَا مُحَمَّد إِلَى عِبَادَةِ شَيْءٍ لَوَدِدتُ أَنَّهُ عِنْدِي الآنَ، فَأرْمِيهِ بِالنَّبْلِ حَتَّى أَقْتُلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَقَالَتِهِ هَذِهِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مَعَهُ جَمَلُهُ يَتْبَعُهُ، فَأَرْسَلَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَلِهِ صَاعِقَةً فَأَحْرَقَتْهُمَا، وَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِي عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ وَأَرْبَدَ بْنِ قَيس، قَوْلُه تَعَالَى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ