وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- منْصَرَفَهُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيَّ -رضي اللَّه عنه-، إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ مَلِكِ الْبَحْرَيْنِ، وَكتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا يَدْعُوهُ فِيهِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَبَعَثَ مَعَهُ نَفَرًا فِيهِمْ: أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه-، وَأَوْصَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بمَنْ مَعَهُ خَيْرًا.
فَلَمَّا قَدِمَ الْعَلَاءُ -رضي اللَّه عنه- عَلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى قَالَ لَهُ: يَا مُنْذِرُ! إِنَّكَ عَظِيمُ الْعَقْلِ في الدُّنْيَا فَلَا تَصْغُرَنَّ عَنِ الْآخِرَةِ، إِنَّ هَذِهِ الْمَجُوسِيَّةَ شَرُّ دِينٍ، يُنْكَحُ فِيهَا مَا يُسْتَحْيَا مِنْ نِكَاحِهِ، وَيَأْكُلُونَ مَا يُتَكَرَّهُ مِنْ أَكْلِهِ، وَتَعْبُدُ في الدُّنْيَا نَارًا تَأْكُلُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَسْتَ بِعَدِيمِ عَقْلٍ وَلَا رَأْيٍ، فَانْظُرْ هَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ لَا يَكْذِبُ في الدُّنْيَا أَنْ لَا نُصَدِّقَهُ، وَلِمَنْ لَا يَخُونُ أَنْ لَا نَأْتْمِنَهُ، وَلِمَنْ لَا يُخْلِفُ أَنْ لَا نَثِقَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا، فَهَذَا هُوَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الذِي وَاللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُ ذُو عَقْلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْتَ مَا أَمَرَ بِهِ نَهَى عَنْهُ، أَوْ مَا نَهَى عَنْهُ أَمَرَ بِهِ.
فَقَالَ الْمُنْذِرُ: قَدْ نَظَرْتُ في هَذَا الذِي في يَدَيَّ -يَقْصِدُ كِتَابَ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَوَجَدْتُهُ لِلدُّنْيَا دُونَ الآخِرَةِ، وَنَظَرْتُ في دِينِكُمْ فَرَأَيْتُهُ لِلْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ كبولِ دِينٍ فِيهِ أُمْنِيَةُ الْحَيَاةِ وَرَاحَةُ الْمَوْتِ؟
وَلقدْ عَجِبْتُ أَمْسَ مِمَّنْ يَقْبَلُهُ، وَعَجِبْتُ الْيَوْمَ مِمَّنْ رَدَّهُ، وَإِنَّ مِنْ إِعْظَامِ مَنْ جَاءَ بِهِ أَنْ يُعَظَّمَ رَسُولُهُ، وَسَأَنْظُرُ.