وَهُوَ الذِي رَجَّحَهُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (?).
وَمَهْمَا تَكُنْ الخَاتِمَةُ التِي لَقِيَتْهَا سَرِيَّةُ مُؤْتَةَ، فَإِنَّ نَتَائِجَهَا وَآثَارَهَا كَانَتْ بَعِيدَةَ المَدَى.
قَالَ الشَّيْخُ صَفِيُّ الرَّحْمَنِ المُبَارَكْفُورِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ كَثِيرًا فِيمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ هَذِهِ المَعْرَكَةِ أَخِيرًا، وَيَظْهَرُ بَعْدَ النَّظَرِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ -رضي اللَّه عنه- نَجَحَ فِي الصُّمُودِ أَمَامَ جَيْشِ الرُّومَانِ طُولَ النَّهارِ، فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ القِتَالِ، وَكَانَ يَشْعُرُ بِمَسِيسِ الحَاجَةِ إِلَى مَكِيدَةٍ حَرْبِيَّةٍ، تُلْقِي الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ الرُّومَانِ، حَتَّى يَنْجَحَ فِي الانْحِيَازِ بِالمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومَ الرُّومَانُ بِحَرَكَاتِ المُطَارَدَةِ، فَقَدْ كَانَ يَعْرِفُ جَيِّدًا أَنَّ الإِفْلَاتَ مِنَ بَرَاثِنِهِمْ (?) صَعْبٌ جدًّا لَوْ انْكَشَفَ المُسْلِمُونَ، وَقَامَ الرُّومَانُ بالمُطَارَدَةِ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ اليَوْمُ الثَّانِي غَيَّرَ أَوْضَاعَ الجَيْشِ، فَلَمَّا رَآهُمْ الأَعْدَاءُ أَنْكَرُوا حَالَهُمْ، وَقَالُوا: جَاءَهُمْ مَدَدٌ، فَرُعِبُوا، وَصَارَ خَالِدٌ -رضي اللَّه عنه- بَعْدَ أَنْ تَرَاءَى الجَيْشَانِ، وَتَنَاوَشَا سَاعَةً- يَتَأَخَّرُ بِالمُسْلِمِينَ قَلِيلًا قَلِيلًا، مَعَ حِفْظِ نِظَامِ جَيْشِهِ، وَلَمْ يَتَبَعْهُمُ الرُّومَانُ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ المُسْلِمِينَ يَخْدَعُونَهُمْ، وَيُحَاوِلُونَ القِيَامَ بِمَكِيدَةٍ تَرْمِي بِهِمْ فِي الصَّحْرَاءِ.