وقَالَ الدُّكْتُور مُحَمَّد أبُو شَهْبَه رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إنَّ خَيْرَ مَا يَتَدَارَسُهُ المُسْلِمُونَ، ولَا سِيَّمَا النَّاشِئُونَ والمُتَعَلِّمُونَ، ويُعْنَى بِهِ البَاحِثُونَ والكاتِبُونَ دِرَاسَةُ السِّيرَةِ المُحَمَّدِيَّةِ، إذْ هِيَ خَيْرُ مُعَلِّمٍ وَمُثَقِّفٍ، ومُهَذِّبٍ، ومُؤَدِّبٍ، وآصَلُ مَدْرَسَةٍ تَخَرَّجَ فِيهَا الرَّعِيلُ الأوَّلُ مِنَ المُسْلِمِينَ والمُسْلِمَاتِ، الذِينَ قَلَّمَا تَجُودُ الدُّنْيَا بِأَمْثَالِهِمْ، فَفِيهَا ما يَنْشُدُهُ المُسْلِمُ، وطَالِبُ الكَمَالِ مِنْ دِينٍ، ودُنْيَا، وإيمَانٍ واعْتِقَادٍ، وعِلْمٍ، وعَمَلٍ، وآدَابٍ وأخْلَاقٍ، وسِيَاسَةٍ وكَيَاسَةٍ (?)، وإمَامَةٍ وقِيَادَةٍ، وعَدْلٍ، ورَحْمَةٍ، وبُطُولَةٍ وكِفَاحٍ، وجِهَادٍ واسْتِشْهَادٍ في سَبِيلِ العَقِيدَةِ والشَّرِيعَةِ، والمُثُلِ الإنْسَانِيَّةِ الرَّفِيعَةِ، والقِيَمِ الخُلُقِيَّةِ الفَاضِلَةِ.
ولقدْ كَانَتِ السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ مَدْرَسَةً تَخَرَّجَ فِيهَا أمْثَلُ النَّمَاذِجِ البَشَرِيَّةِ، وهُمُ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أجْمَعِينَ، فكَانَ مِنْهُمُ: الخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ، والقَائِدُ المُحَنَّكُ، والبَطَلُ المِغْوَارُ، والسِّيَاسِيُّ الدَّاهِيَةُ، والعَبْقَرِيُّ المُلْهَمُ، والعَالِمُ العَامِلُ، والفَقِيهُ البَارعُ، والعَاقِلُ الحَازِمُ، والحَكِيمُ الذِي تَتَفَجَّرُ مِنْ قَلْبِهِ يَنَابِيعُ العِلْمِ والحِكْمَةِ، والتَّاجِرُ الذِي يُحَوِّلُ رِمَالَ الصَّحْرَاءِ ذَهَبًا، والزَّارعُ والصَّانِعُ اللَّذَانِ يَرَيَانِ في العَمَلِ عِبَادَةً، والكَادِحُ الذِي يَرَى في الاحْتِطَابِ عَمَلًا شَرِيفًا يرَفَّعُ بِهِ عَنِ التَّكَفُّفِ والتَّسَوُّلِ، والغَنِيُّ الشَّاكِرُ الذِي يَرَى نَفْسَهُ مُسْتَخْلَفًا في هَذَا المَالِ يُنْفِقُهُ في الخَيْرِ والمَصْلَحَةِ العَامَّةِ، والفَقِيرُ الصَّابِرُ الذِي يَحْسَبُهُ مَنْ لَا يَعْلَمُ حَالهُ غَنِيًّا مِنَ التَّعَفُّفِ، وكُلُّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ ثَمَرَاتِ الإيمَانِ باللَّهِ، وبِرَسُولهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-،