قَالَ: فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، فنَزَلَتْ: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} (?).

كَانَتْ هَذِهِ أَوَّلُ آيَاتٍ نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْي، وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَوَامِرُ الْمُتَتَابِعَةُ الْقَاطِعَةُ إِيذَانًا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِأَنَّ الْمَاضِي قَدِ انْتَهَى بِمَنَامِهِ وَهُدُوئِهِ وَسَلَامِهِ، وَأَنَّهُ أَمَامَ عَمَلٍ جَدِيدٍ يَسْتَدْعِي الْيَقَظَةَ، وَالتَّشْمِيرَ، وَالْإِنْذَارَ، وَالْإِعْذَارَ، فَلْيَحْمِلِ الرِّسَالَةَ، وَيُنْذِرِ النَّاسَ، وَلْيَأْنَسْ بِالْوَحْيِ، وَلْيَصْبِرْ عَلَى عَنَائِهِ، فَإِنَّهُ مَصْدَرُ رِسَالَتِهِ وَمَدَدُ دَعْوَتِهِ (?).

فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَظَلَّ قَائِمًا بَعْدَهَا أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ عَامًا! لَمْ يَسْتَرِحْ، وَلَمْ يَسْكُنْ، وَلَمْ يَعِشْ لِنَفْسِهِ وَلَا لِأَهْلِهِ، قَامَ وَظَلَّ قَائِمًا عَلَى دَعْوَةِ اللَّهِ. . . يَحْمِلُ عَلَى عَاتِقِهِ الْعِبْءَ الثَّقِيلَ البَاهِظَ، وَلَا يَنُوءُ بِه، عِبْءُ الْأَمَانَةِ الْكُبْرَى فِي هذِهِ الأَرْضِ، عِبْءُ البَشَرِيَّةِ كُلِّهَا، عِبْءُ العَقِيدَةِ كُلِّهَا، وعِبْءُ الكِفَاحِ والجِهَادِ فِي مَيَادِينَ شَتَّى. . . عَاشَ في المَعْرَكَةِ الدَّائِبَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ عَامًا، لَا يُلْهِيهِ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ في خِلَالِ هَذَا الأَمَدِ، مُنْذُ أَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ الْعُلْوِيَّ الْجَلِيلَ، وَتَلَقَّى مِنْهُ التَّكْلِيفَ الرَّهِيبَ. . جَزَاهُ اللَّهُ عَنَّا وَعَنِ الْبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا خَيْرَ الْجَزَاءِ (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015