وَالمُرْسَلُ جَاءَ عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ نَحْتَجَّ بِالمُرْسَلِ (عِنْدَ مَنْ يَرَى الِاحْتِجَاجَ بِهِ) في مَسْأَلةٍ كَهَذِهِ؛ فِيهَا الحُكْمُ عَلَى أَحَدِ السَّابِقِينَ الأَوَّلينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِالرِّدَّةِ.
2 - أَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ في زَوَاجِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِأُمِّ حَبِيبَةَ لَمْ تَذْكُرْ رِدَّةَ زَوْجِهَا السَّابِقِ، كَمَا في الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالطَّحَاوِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ.
3 - أَنَّهُ يبْعُدُ أَنْ يَرْتَدَّ أَحَدُ السَّابِقِينَ الأَوَّلينَ لِلْإِسْلَامِ عَنْ دِينهِ، وَهُوَ مِمَّنْ هَاجَرَ فِرَارًا بِدِينهِ مَعَ زَوْجِهِ، إلى أَرْضٍ بَعِيدَةٍ غَرِيبَةٍ، وَخَاصَّةً أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بنَ جَحْشٍ مِمَّنْ هَجَرَ مَا عَلَيْهِ قُرَيْشٌ مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وَالْتِمَاسِهِ مَعَ وَرَقَةَ وَغَيْرِهِ الحَنِيفِيَّةَ، كَمَا في رِوَايَةِ ابنِ إِسْحَاقَ -بِدُونِ سَنَدٍ- الوَارِدَةِ أَوَّلَ هَذَا البَحْثِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ عَنِ الوَاقِدِيِّ أَنَّهُ كَانَ قَدْ دَانَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ قَبْلَ الإِسْلَامِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ البِشَارَةَ ببعْثَةِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ يَهُودِ، وَنَصَارَى، فكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ رَجُلٍ يَتَرَقَّبُ الدِّينَ الجَدِيدَ أَنْ يَعْتَنِقَهُ ثُمَّ يَرْتَدَّ عَنْهُ لِدِينٍ مَنْسُوخٍ؟ !
كَمَا أَنَّ زَوَاجَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِأُمِّ حَبِيبَةَ كَانَ في سَنَةِ سِتٍّ، وَقِيلَ سَبْعٍ، وَرِدَّةُ عُبَيْدِ اللَّهِ المَزْعُومَةُ قَبْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ، وَهِيَ مَرْحَلَةٌ كَانَ الإِسْلَامُ قَدْ عَلَا فِيهَا وَظَهَرَ حَتَّى خَارجَ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ، بَلْ أَصْبَحَ هُنَاكَ مَنْ يُظْهِرُ الإِسْلَامَ وَيُبْطِنُ الكُفْرَ، كَحَالِ المُنَافِقِينَ.