لَمْ نُبَايِعْهُ -أَي الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى المَوْتِ، وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ (?).
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: وَحَاصِلُ الجَمْعِ أَنَّ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ البَيْعَةَ كَانَتْ عَلَى المَوْتِ أَرَادَ لَازِمَهَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا بَايَعَ عَلَى أَنْ لَا يَفِرَّ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَثْبُتَ، وَالذِي يَثْبُتُ إِمَّا أَنْ يَغْلِبَ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْسَرَ، وَالذِي يُؤْسَرُ إِمَّا أَنْ يَنْجُوَ وَإِمَّا أَنْ يَمُوتَ، وَلَمَّا كَانَ المَوْتُ لَا يُؤْمَنُ في مِثْلِ ذَلِكَ أَطْلَقَهُ الرَّاوِي، وَحَاصِلُهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا حَكَى صُورَةَ البَيْعَةِ، وَالآخَرُ حَكَى مَا تَؤُولُ إِلَيْهِ (?).
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: مَعْنَى كِلَا الحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ، قَدْ بَايَعَهُ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى المَوْتِ، وَبَايَعَهُ آخَرُونَ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا (?).
وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ هَذِهِ البَيْعَةِ أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ حَضَرَهَا، إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ هُوَ الجَدُّ بنُ قَيْسٍ وَكَانَ مُنَافِقًا، وَكَانَ لَهُ جَمَلٌ أَحْمَرُ، فَكَانَ يَخْتَبِئُ خَلْفَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُدْعَى لِلْبَيْعَةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: ". . . وَكُلُّكُمْ مَغْفُورٌ لَهُ، إِلَّا صَاحِبَ الجَمَلِ الأَحْمَرِ"، فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ: تَعَالَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ: وَاللَّهِ!