ولمَّا قَالَ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ لِأَبِي سُفْيَانَ بنَ حَرْبٍ -وَكَانَ لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا-: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قَالَ: لَا، فقَالَ هِرَقْلُ: فَقَدْ عَرَفْتُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ، ويَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ (?).
قَالَ أحْمَد شَوْقي رَحِمَهُ اللَّهُ:
بِسِوَى الأَمَانَةِ في الصِّبَا والصِّدْقِ لَمْ ... يَعْرِفْهُ أَهْلُ الصِّدْقِ والأُمَنَاءُ
يا مَنْ لَهُ الأَخْلَاقُ مَا تَهْوَى الْعُلَا ... مِنْهَا ومَا يَتَعَشَّقُ الكُبَرَاءُ
لَوْ لَمْ تَقُمْ دِينًا لَقَامَتْ وَحْدَهَا ... دِينًا تُضِيءُ بِنُورِهِ الآنَاءُ
زَانَتْكَ فِي الخُلُقِ العَظِيمِ شَمَائِلٌ ... يُغْرَى بِهِنَّ ويُولَعُ الكُرَمَاءُ
وَكَانَ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَصُولًا لِلرَّحِمِ، عَطُوفًا عَلَى الفُقَرَاءِ، وذَوِي الحَاجَةِ، ويُقْرِي الضَّيْفَ، ويُعِينُ الضَّعِيفَ، ويَمْسَحُ بِيَدَيْهِ بُؤْسَ البَائِسِينَ، ويُفَرِّجُ كَرْبَ المَكْرُوبِينَ، وقَدْ وَصَفَتْهُ بهَذَا أُمُّ المُؤْمِنِينَ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في بَدْءِ الوَحْيِ، فقالتْ: كَلَّا وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ (?)، وتُكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ (?).