كَانُوا قَدْ أَجْلَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ المَدِينَةِ إِلَى خَيْبَرَ، مِنْهُمْ سَلَّامُ بنُ مِشْكَمٍ، وَسَلَّامُ بنُ أَبِي الْحُقَيقِ، وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكِنَانَةُ بنُ الرَّبِيعِ، وَغَيْرُهُمْ، خَرَجُوا إِلَى مَكَّةَ، وَاجْتَمَعُوا بِأَشْرَافِ قُرَيْشٍ، وَحَرَّضُوهُمْ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَأَلَّبُوهُمْ (?) عَلَيْهِ، وَوَعَدُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِم النَّصْرَ وَالإِعَانَةَ، فَقَالُوا: إِنَّا سَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ، حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُ.
فَأَجَابَتْهُمْ قُرَيْشٌ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْشٌ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، إِنَّكُمْ أَهْلُ الكِتَابِ الأَوَّلِ وَالعِلْمِ بِمَا أَصْبَحْنَا نَخْتَلِفُ فِيهِ نَحْنُ وَمُحَمَّدٌ، أَفَدِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُهُ؟
قَالُوا: بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ، وَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالحَقِّ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} (?).
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَهَذَا لَعْنٌ لَهُمْ، وَإِخْبَارٌ بِأَنَّهُمْ لَا نَاصِرَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا ذَهَبُوا يَسْتَنْصِرُونَ بِالْمُشْرِكِينَ، وَإِنَّمَا قَالُوا لَهُمْ ذَلِكَ لِيَسْتَمِيلُوهُمْ إِلَى نَصْرِهِمْ، وَقَدْ أَجَابُوهُمْ، وَجَاؤُوا مَعَهُمْ يَوْمَ الأَحْزَابِ، حَتَّى حَفَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ